نداءُ فرعون في قومه إن كان على الحقيقة فيكون قد جمع أشراف قومه، ورفع صوته بما قاله، والأشراف يبلغون نداءه إلى أتباعهم، وإن كان على المجاز كان المعنى: نادى رجاله في قومه بأمره، وذلك كقولهم: هزم الأمير أعداءه - وهو في قصره - يعنون أن جنوده هم الذين هزموا الأعداء، ولكونه هو الآمر للجنود أُسند الفعل إليه.
ومعنى قوله: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ أن بيده تصريف أُمورها، ويعنى بمصر القطر كله، من الإسكندرية إلى أُسوان - كما في البحر - والأنهار كنهر الملك ونهر دمياط ونهر تنيس ونهر طولون، وهو نهر قديم كان قد اندرس، فجدده أحمد بن طولون، وكان قصره عند مبدأ هذه الخلجان، فلذلك قال: ﴿وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ أي: من تحت قصرى وقال قتادة: كانت له جنان وبساتين بين يديه تجرى فيها الأنهار.
وفسر الأنهار بعضهم بالأموال، يريد أن أمواله تشببه الأنهار في كثرتها، وجريانُها من تحته كناية عن خروجها وانتشارها من تحت أَمره، أو من خزائنه التي وضعها في قصره تحت سكنه.
ولا يخفى ما بين افتخار هذا اللَّعين بملك مصر ودعواه الربوبية من البعد البعيد.
ومعنى الآية: نادى فرعون في قومه أهل القطر المصري متباهيًا ومفتخرًا: أليس لي ملك مصر بأقاليمها وهذه الأنهار تجرى من تحتى، أتغفلون فلا تبصرون عظمتى وقوتى وضعف موسى وفقره، فلا يغرنَّكم ما يأتي به من السحر.
٥٢ - ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾:
بل أنا في عظمة ملكى خير من هذا الذي هو ضعيف حقير ولا يكاد يفصح عما في فؤاده، وكان موسى - عليه السلام - به عقدة في لسانه منذ طفولته، ولازمته إلى ما قبل النبوة، فلما جاءته الرسالة طلب من ربه حلها بقوله: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ (١) فاستجاب الله له وحلَّ عقدته، فعيره اللعين بالحبسة التي كانت في لسانه أيَّام كان عنده،

(١) سورة طه: ٢٧ - ٢٨.


الصفحة التالية
Icon