وحاصل المعنى للآيات السابقة: أنه تعالى أنزل القرآن على رسوله - ﷺ - في ليلة القدر المباركة التي يبين فيها للملائكة كل أمر حكيم من الأمور المتعلقة بعباده، التي تصدر من جهته - تعالى - وفق الحكمة والتدبير، ومن أجلِّها وأعظمها القرآن، وقد أنزله الله على رسوله - ﷺ - رحمة بالعباد جريا على سنته في خلقه حيث أرسل الرسل بالكتب لإفاضة رحمته سبحانه بهم، وهو يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم.
٧ - ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧)﴾:
أي: إن كنتم موقنين في اعترافكم بأنه تعالى رب السموات والأرض وما بينهما وخالقهن، إذا سئلتم من خلقهن يلزمكم الاعتراف بأن من حقه إرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لإرشاد الخلق بأنه لا معبود سواه، ولذا عقبه بقوله:
٨ - ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨)﴾:
الآية مستأنفة مقررة لما قبلها، أي: لا رب غيره، ولا معبود سواه يحيى الأموات ويميت الأحياء وهو خالقكم وخالق من تقدم من آبائكم. وإليه المرجع والمآب، فإذا كان هذا شأنه فما لكم أيها المشركون لا تتقون تكذيب محمَّد - ﷺ - حتى لا ينزل بكم العذاب الأليم حيث تفقدون الولى والنصير.
٩٠ - ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩)﴾:
إضراب إبطالي أبطل به إيقانهم المزعوم في قوله تعالى: (إن كنتم موقنين) لعدم جريانهم على مقتضاه، أي: ما قالوا ذلك عن جد وإذعان، وإنما قالوه تقليدا لآبائهم، وهم في شك مما ذكر من شئونه تعالي، لعدم التفاتهم إلى البراهين القاطعة، وقيل: يلعبون. يضيفون إلى النبي - ﷺ - الافتراء استهزاءً. شأنهم شأن الصبى الذي يلعب فيفعل ما لا يدرى عاقبته.
والالتفات عن خطابهم إلى الغيبة إعراض عنهم لفرط عنادهم وعدم التفاتهم.