المتقدمين، ويغرق التابعين، فمعنى (متبعون): يتبعكم فرعون وجنود، ليلحقوا بكم فيغرقوا، فإن الله - تعالى - قدر عليهم الغرق، قال القرطبي: وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف، والخوف يكون بوجهين: إما من العدو فيتخذ الليل سترًا مسدلا فهو من أستار الله تعالى، وإما من خوف المشقة على الدواب والأَبدان بحرٍّ أو جدب فيتخذ السرى لذلك، وكان النبي - ﷺ - يسرى ويُدلج، ويترفق ويستعجل بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة، وفي الصحيح عن النبي - ﷺ -: "إذا سافرتم في الخِصْب فأَعطوا الإبل حظَّها من الأَرض، وإذا سافرتم في السَّنةِ (١) فبادروا بها نِقْتها (٢)، ولهذه المعانى ذكر الليل، مع أَن السرى لا يكون إلاَّ ليلًا، وليدل ذكره على أَن ذلك كله وقع في جزء من الليل. ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ هذا تعليم لموسى - عليه السلام - بما يفعله في سيره قبل أن يسير، وقبل أَن يلج البحر، وعبارة الخطيب: "واترك البحر" أَي: إذا سرت بهم، وتبعك العدوّ ووصلت البحر، وأَمرناك بضربه بالعصا ودخلتم فيه ونجوتم منه فاتركه بحاله، ولا تضربه بعصاك ليلتئم، بل أَبقه على حاله ليدخله فرعون وقومه فينطبق عليهم، وقيل: كان ذلك الأَمر بعد أن خرج من البحر وأَراد أَن يضربه ليلتئم.
والمعنى: واترك البحر بعد ولوجك فيه وخروجك منه - اتركه - مفتوحًا أَو ساكنًا ثابتا على هيئته عند دخولك فيه، ليلجه فرعون وقومه خلفكم فيغرقوا ﴿إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ أَي: أَنهم جماعة قدر الله عليهم الغرق في البحر، عقوبة لهم على عنادهم وإصرارهم على الكفر، وتماديهم في التجبر والضلال.
٢٧، ٢٦، ٢٥ - ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾:
هذه الآيات انتقال بالحديث عما وقع لفرعون وقومه من عذاب وجزاء بالإغراق - انتقال من ذلك - إلى خسارتهم ما كانوا فيه من نعمة وشرف، تعظيمًا لعقابهم.
(٢) نقتها - بكسر النون وسكون القاف منها - ومعناه: أسرعوا في السير بالإبل لتصلوا إلى المقصد وفيها بقية من قوتها.