سأل أبو سفيان يوم أُحد عن النبي - ﷺ - وعن أبي بكر، وعمر - رضي الله عنهما - فلم يجب، قال: أمَّا هؤلاء فهلكوا، وأجابه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: كذبت يا عدو الله، بل أبقى الله - تعالى - ما يسوؤك، وإن الذين عددت أحياء، فقال أبو سفيان: يومٌ بيوم، والحرب سجال، أما إنكم ستجدون مُثْلَةً (١) لم آمر بها ولم أنْهَ عنها، ثم ذهب يرتجز ويقول: اعل هبل - اعل هبل. فقال النبي - ﷺ -: ألا تجيبوه؟ قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجلّ. ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال - ﷺ -: ألا تجيبوه؟ قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.
١٢ - ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾:
هذه الآية بيان لثمرة ولايته - تعالى - للمؤمنين الأخروية بعد بيان ثمرتها في الدنيا بالنصر، والتمكين في الأرض.
والمعنى: إن الله - تعالى - يتفضل على عباده الذين آمنوا به والتزموا طاعته بفعل المأمورات وترك المنهيات - يتفضل عليهم - في الآخرة فيدخلهم جنات تزدهى بألوان الجمال من أشجار تجرى من تحتها الأنهار، ومناظر تعجب الأبصار، زاخرة بأطايب الخيرات، والثمار، وأصناف من الفواكه كثيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة.
والذين كفروا وركنوا إلى الدنيا، وغرتهم زخارفها، وجرفهم متاعها فاندفعوا وراء شهواتهم يأكلون كما تأكل الأنعام نهِمِين غافلين، لا يهمهم إلا إشباع بطونهم، وإرضاء غرائزهم، لا يفكرون في حساب، ولا يتدبرون في عاقبة هواهم - هؤلاء في الآخرة - النار مثواهم ودار إقامتهم، يطعمون زقُّومها، ويشربون حميمها، ويصطلون بلهيبها جزاء غفلتهم في دنياهم، وبعدهم عن سواء السبيل.