بمعنى فأهلكهم الله - تعالى - هلاكا أقرب لهم من كل شر وهلاك، أو الكلام على تقدير مبتدأ وأولى خبره، أي: فأولى لهم الهلاك.
٢١ - ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾:
كلام مستأنف، أي: أمرهم طاعة، أو طاعة وقول معروف خير لهم، ويجوز أن يكون حكاية لقولهم؛ ويؤيده قراءة أبي: (يقولون طاعة) أي: أمرنا طاعة، وقولنا معروف ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ﴾ أي: إذا جدَّ الأمر بالقتال وأخذ طريق التنفيذ خالفوا وتخلفوا، أو ناقضوا، أو كرهوا، فلو صدقوا الله في الحرص على الجهاد، ورجاء مشروعيته لكان الصدق خيرا لهم مما صاروا إليه وظهر عليهم، وقيل: لو صدقو الله في الإيمان، وتأكد في يقينهم، ويجوز أن يكون جواب "إذا" جملة ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ على طريقة قولك: إذا حضرنى طعام فلو جئتنى لأطعمتك.
٢٢ - ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾:
الخطاب للذين في قلوبهم مرض، والمعنى: فهل عسيتم إن أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه أن تعودوا إلى جاهليتكم الأولى من الإفساد في الأرض وقتل بعضكم بعضًا، وتقطيع الأرحام بينكم تناصرًا على الباطل، وتهالكا على الدنيا، فإنه ضعفكم في الدين، والحرص على الدنيا جعلكم حين أمرتم بالجهاد الذي هو السبيل إلى إحراز كل خير وصلاح، ودفع كل شر وبلاءٍ جعلكم حين أمرتم به تشفقون على أنفسكم، وتنقضون عهدكم، ومن كان كذلك لا يبعد عنه التولى عن الإيمان والعودة إلى الشرك لكي تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، كعادتكم في الجاهلية.
ويصح أن يكون المعنى: فهل عسيتم إن توليتم أُمور الناس وتأمَّرتم عليهم أن تفسدوا في الأرض، وترجعوا إلى التناهب والقتل وقطع الأرحام ووأد البنات: كما كنتم في الجاهلية.
وتخصيص الأرحام بالذكر تأكيد لحقها، وذم لما يشيع بين كثير من الناس من جفائها، وتحذير منه، وقد قال - تعالى -: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾.


الصفحة التالية
Icon