ويكررونها عدة مرات بهذه الصيغة، كأنهم لا يزالون في شك من أمره، ولا يعتبرونه ربا لهم، بقدر ما يعتبرونه ربا لموسى وحده، وفي ذلك جحود منهم ظاهر لربوبية الله رب العالمين، وجرأة على مقامه الأقدس، وليس هذا بغريب عليهم، فقد قالوا من قبل لموسى كما سبق في الربع الماضي ﴿يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾.
ثم ها هو الحق سبحانه وتعالى ينعتهم بوصف خطير ومثير، ذلك هو وصفهم بالقسوة التي هي أشد من قسوة الحجارة، وهل يرجى التأثير في قلب أقسى من الحجر الصلد؟ ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾. وهذا الوصف الذي وصف الله به بني إسرائيل هو السر في عنادهم وإصرارهم على ما هم عليه، والحافز لهم على الوقوف في وجه الدعوة الإسلامية موقف المعارضة والإنكار، والتبجح والاستكبار، كما كان موقفهم من المسيحية قبل الإسلام، وهو السر في موقفهم الانعزالي المتحفظ دائما من بقية الأمم والملل عبر التاريخ.
ويتجه الخطاب من جديد إلى المؤمنين، منبها إياهم إلى أن يقطعوا كل أمل في انتقال بني إسرائيل انتقالا جماعيا من يهوديتهم إلى الإسلام، مذكرا بأن أولئك الذين سمعوا كلام الله بواسطة موسى الكليم، والذين عقلوا ما فيه، -وبالرغم عن ذلك كله تجرأوا على تحريفه عمدا وقصدا لحاجة في أنفسهم- قد تجاوز عنادهم كل


الصفحة التالية
Icon