ومما ورد تحريمه في هذا السياق اللحوم التي يتم الوصول إليها وتقع قسمتها بين المقامرين عن طريق الاستقسام بالأزلام، وهي القداح والقراطيس التي كان المشركون يستشيرونها بحضرة أصنامهم في الإقدام على الأمور أو الإحجام عنها، والتي كانوا يقامرون بها أحيانا أخرى في الميسر، فكل من خرج له قدح أو قرطاس نال من لحم الجزور بقدر ما خصص لذلك القدح أو القرطاس، فيمثلون ما يخرج لهم، ويعتقدون أن ذلك هداية من الصنم لمطلبهم ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾.
وهذه المحرمات جميعا هي التي استوعبها قوله تعالى في هذا الربع: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ - إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ - وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾. وسبقت في سورة البقرة آية أخرى لها علاقة بهذا الموضوع، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾.
غير أن الحق سبحانه وتعالى - تخفيفا عن عباده، وحفظا لهم من خطر الهلاك في حالة الإضطرار - أباح لهم عند عدم وجود الحلال من المأكولات أن يأكلوا ما يدفعون به ألم الجوع وينقذهم من الخطر، ولو كان محرما، في انتظار وجود ما هو حلال، بشرط أن لا يتعمدوا أكل ذلك الحرام عن شهوة مقصودة، وإنما يتناولونه عن ضرورة ملحة لا خلاص لهم منها، وذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ على