وإذن فلا يسوغ للمؤمنين أن يرضوا عنهم بحال، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ والفاسقون هم الخارجون عن طاعة الله وطاعة رسوله، من " الفسق " وهو لغة الخروج، ومنه سميت الفأرة " فويسقة " لأنها تخرج من جحرها للإفساد، ويقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها.
وتولى كتاب الله الحديث عما كان عليه الأعراب في فجر الإسلام قبل أن يستفحل أمره وتعم دعوته، والمراد " بالأعراب " سكان البادية الملازمون لسكناها، فلمح كتاب الله إلى أن هذا الصنف من الناس بحكم اشتغالهم بمعايشهم، وانهماكهم في تربية إبلهم ومواشيهم، وتغيب كثير منهم عن كثير من المناسبات السعيدة التي كان يشهدها غيرهم من المسلمين المخالطين للرسول، والملازمين لمجلسه، والمترددين عليه لتلقي الوحي وتعلم الدين، ظلوا بعيدين عن التأثير اليومي المباشر للوحي والرسالة، ولم يتيحوا لأنفسهم الفرص الكافية لتتبع الدعوة الإسلامية في مختلف مراحلها، والتشبع بتعاليمها ومبادئها، وبقي من أجل ذلك قسم كبير منهم عرضة لدعاية المشركين، ووساوس المنافقين، وذلك هو المعنى المراد بقوله تعالى في بداية هذا الموضوع: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ أي لأنهم لم يكونوا يخالطونه ويلازمونه كغيرهم من المؤمنين ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. قال ابن قتيبة: " الأعرابي لزيم البادية، والعربي منسوب إلى العرب ".