وقال القاضي عبد الجبار: " يحتمل أن يراد ﴿بالأعراب﴾ من امتنع عن المهاجرة، فقد كان يقال: مهاجر وأعرابي ".
ثم شرع كتاب الله يفصل أحوال أولئك الأعراب من سكان البادية والملازمين لها غالبا، فصنفهم صنفين: الصنف الأول منهم من خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم فكانوا داخلين في عداد المؤمنين، عقيدة ونية، قولا وعملا، وفي هذا الصنف المؤمن الواعي ورد قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ أي يبتغون من نفقاتهم التقرب إلى الله تعالى والحصول على رضا رسوله ودعائه الصالح، وعقب كتاب الله على وصفهم ووصف عملهم، مبشرا إياهم بحسن العاقبة وجزيل الثواب، فقال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
والصنف الثاني من الأعراب من كان داخلا إذ ذاك في عداد المنافقين محسوبا منهم، يقوي سواد المنافقين المندسين بين المسلمين في نفس مدينة الرسول، ويتعاون معهم ضد الدعوة الإسلامية. وفي هذا الصنف المنافق الجاهل ورد قوله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ أي منهم من صار لهم النفاق طبعا وعادة حتى جاوزوا الحدود ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾. كما ورد في وصفهم أيضا قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا﴾ أي يعتبر ما


الصفحة التالية
Icon