ينفقه في سبيل الله غرامة وخسارة، لا قربة إلى الله وزلفى ﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ أي ينتظر حلول الآفات بساحتكم ونزول المصائب عليكم ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ هذا دعاء عليهم بالسوء والشر، جزاء وفاقا ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
قال القاضي أبو بكر (ابن العربي): " ذم الله تعالى المنافقين والمقصرين في " هذه السورة " في آيات جملة، ثم طبقهم طبقات عموما وخصوصا، فقال: ﴿الأعراب أشد كفرا﴾ الآية: ٩٧. وقال: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا﴾ [الآية: ٩٨]. وقال: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ﴾ [الآية: ٩٩، وهذا مدح يتميز به الفاضل من الناقص، والمحق من المبطل ".
وأخيرا عاد كتاب الله إلى الحديث عن المتخلفين الذين تخلفوا عن الجهاد والخروج مع رسول الله إلى غزوة تبوك، فبين أن من بين المتخلفين صنفا لم يتخلف عن نفاق، وإنما تخلف عن ميل إلى الكسل، وإيثار للراحة، وحرص على الظلال والثمار، إذ كانت غزوة تبوك في فصل حر وموسم غلة.
وهذا الصنف ينقسم بدوره إلى قسمين: قسم اعترف بذنبه، وقسم لم يعترف بذنبه. فالقسم الأول من هذا الصنف تشير إليه الآية الكريمة: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. والقسم الثاني من هذا الصنف تشير إليه الآية الكريمة: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ أي مؤخرون ليوم الحساب،