وتتلخص هذه المعاملة الرابحة في بيع المؤمن نفسه وماله لربه، مقابل عوض يتناسب مع كرم الله وسعة غناه، عوض لا يقدر بثمن، ولا يحد بزمن، يناله المؤمن من ربه، ألا وهو دخول الجنة والخلود في دار النعيم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. فهذه الآية الكريمة تتحدث عن اشتراء الله من عباده المؤمنين أنفسهم وأموالهم، وكأنهم مالكون حقيقيون لتلك الأنفس وتلك الأموال، وكأن أنفسهم وأموالهم ملك خالص لهم، وكأنه لا دخل لله لا في خلقهم ولا في رزقهم، بينما الحقيقة والواقع أن أنفس المؤمنين وأموالهم كغيرها من الأنفس والأموال إنما هي مجرد عطاء من الله، ومحض هبة منه لعباده، إذ لو شاء الله لأبقاهم في حيز العدم ولم يخرجهم إلى حيز الوجود، ولو شاء الله لأوجدهم ثم حرمهم من الرزق، وجعلهم عالة يتكففون الناس، فهو سبحانه المنعم عليهم بنعمة الإيجاد أولا، وبنعمة الإمداد ثانيا، ومع ذلك ها هو الحق سبحانه وتعالى يتكرم عليهم كرما ولا كرم فوقه، فيعاملهم أكرم معاملة، ويعاوضهم على ما أنعم به عليهم في الدنيا بنعمة أجل وأعظم، وأخلد وأبقى في الدار الآخرة، وذلك هو منتهى الكرم وغاية الإحسان، الذي يعجز عن تصوره الإنسان.
روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه لما قرأ هذه الآية قال