" العسرة " التي افتضح فيها الناس، وكان ممن تخلف عنه ثلاثة: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي. فلما قفل رسول الله من غزوة تبوك دخل إلى المسجد، فجاء من تخلف عنه يعتذرون إليه وهم ثمانون رجلا، فقبل النبي ظاهر حالهم ووكل سرائرهم إلى الله، إلا هؤلاء الثلاثة فإنهم لم يعتذروا، وصدقوا رسول الله ﷺ حقيقة أمرهم، وكان مما قاله له أحدهم، وهو كعب بن مالك: " يا رسول الله لو جلست عند غيرك لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لكني والله لقد علمت لئن حدثتك بحديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك بصدق تجد علي فيه أني لأرجو عقبى ذلك من الله عز وجل، والله يا رسول الله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك ". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك). قال كعب بن مالك وهو يروي تمام القصة كما وردت في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة: " فنهى رسول الله ﷺ المسلمين عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف بالأسواق، فلا يكلمني منهم أحد، وآتي رسول الله وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه وأقول في نفسي: أحرك رسول الله شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت


الصفحة التالية
Icon