لقد كانت هذه الدولة نتيجة لتخطيط محكم قام به علماء الإِسلام المغاربة مبتدئاً بعلامة القيروان أبي عمران الفاسي (١) حين أعلن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أعماق فاس، ثم الاتصال والتأثير في الأمير يحيى بن إبراهيم الكدالي (ت: ٤٣٠) (٢).
وقد كان هذا الأمير متشوقاً لنفس الأمر، فتكافت الأيدي، وبدأت الدعوة، فكانت الدولة.
ومن خصائص هذه الدولة الفتية أنهم أقاموا نظاماً اقتصادياً منبثقاً من صميم التعاليم الِإسلامية، وكانت العدالة الاقتصادية من أهم الأمور التي يطلبها المسلمون، إذ أنهم لقوا في عهد بني عباد وغيره من ملوك الطوائف عنتاً شاقاً، وتحملوا منهم رهقاً شديداً، فقد أثقلت الضرائب والمكوس كاهلهم، وصودرت منهم الأموال والأملاك لتصرف في أمور الترف واللهو، وجاء المرابطون فرفعوا هذا الظلم، والتزموا بالنظام الضريبي للفقه الإِسلامي مثل الزكاة والأعشار وأخماس الغنائم (٣).
وينبغي التنبيه على أن يوسف بن تاشفين قد اشْتد إيثاره لأهل الفقه
(٢) هو أمير كدالة ولمتونة، كان من رجال الملك الأتقياء، رحل إلى المشرق للحج، وفي أثناء عودته توقف في القيروان لزيارة أبي عمران الفاسي فسمع منه ولازمه، ولحظه أبو عمران بعينيه الوقادتين وترسم ما في أعماقه من طيبة وخير، فسدده إلى سواء السبيل، وأرشده إلى الاتصال بالشيخ المصلح وجاج بن زلو اللمطي فبعث وجاج مع الأمير يحيى الإِمام العالم العامل عبد الله بن ياسين الجزولي: انظر: ابن أبي زرع: الأنيس المطرب: ٢/ ٩ (تحقيق: محمد الفيلالي: المغرب: ١٣٥٥).
(٣) محمد عبد الله عنان: عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس: ١/ ٥١.