قَصَدَنَا إلى منزلنا وهو على محل من الدولة عظيم، وفي رؤسائها مقدم زعيم، في حجرة بخان (١) السلطان كنا تبوأناها، ولم ير عليه في ذلك غَضَاضَةً، كما يفعله من كان في المعلومات قُرَاضَة (٢). فسألنا عن حالنا وطريقنا وَمَقْصِدِنا، وتفاوضنا معه، والحديث يَسْحَبُ ذيلَهُ، ويولج في نهاره ليله، وهو في أكثر كلامه ينتحى قيلة، والكلام -كما جاء في المثل- ذو شجون (٣)، وفيه الصفاء والأجون، ولا يستنكر فيه الجد والمجون، حتى وقعنا في حديث جُرَيْج (٤)، فقلت له: سمعت التَّنُوخِيّ (٥) شيخ العربية عندنا يقول: ليس في كلام العرب اسم فيه فاءُ الفعل حرفاً واحداً إلا قوله في هذا الحديث: يا بابوس (٦). فقال على البديهة: وأين هو من دَدٍ (٧)، فأعجبني

(١) الخان هو الفندق، انظر: أحكام القرآن لابن العربي: ١٣٦٤.
(٢) القُراضة: فضالة ما يقرضه الفئر من خبز أو غيره، يعني المؤلف أنه ليس له في المعلومات إلا نصيب يسير.
(٣) لفظ المثل: "الحَدِيثُ ذو شُجُونٍ" وهو لضَبَّة بن أدَّ، انظر: الفاخر فيما تلحن فيه العامة للفَضْل ابن سَلَمَة: ٥٩، جمهرة الأمثال العسكري: ١/ ٣٧٧، المستقصى في أمثال العرب للزمَخْشَرِي: ١/ ١٦٩، أمثال العرب للضبي: ٤، مجمع الأمثال للميداني: ١/ ١٩٧.
(٤) أخرجه البخاري في أواخر كتاب الصلاة: ٢/ ٨٠ وفي المظالم: ٣/ ١٧٩ والأنبياء: ٤/ ٢٠١، ومسلم في البر: ٤/ ١٩٧٦، وعبد الرزاق في مصنفه: ١١/ ١٣٥ بألفاظ متقاربة.
(٥) هو علي بن عبد الرحمن بن مهدي التنُوخِي (ت: ٥١٤) من أهل إشبيلية يعرف بابن الأخضر، كان من أهل المعرفة باللغة والآداب، ابن بشكوال: الصلة: ٤٠٤ (ط. القاهرة: ٥٥)، الضي: بغية الملتمس: ٤٢٤.
(٦) يشير إلى قصة جُرَيْج الراهب التي رواها أبو هريرة، ومضمونها أن امرأة اتهمت الراهب بأنه والد الطفل الذي وضعته، فجيء بمهد الصبي فخاطبه جريج قائلاً: يا بابوس من أبوك؟ ففتح الصبي حلقه وقال: فلان الراعي. والبابوس هو الصبي الرضيع. انظر: الخطابي: غريب الحديث: ٣/ ٧، الزمخشري: غريب الحديث: ١/ ٧٢، ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: ١/ ٩٠.
(٧) يشير إلى الحديث النبوي الشريف: "ما أنا من دَدٍ ولا الدد منِّي" والدد هو اللعب واللهو، انظ


الصفحة التالية
Icon