في يوم اجتماعهم للمناظرة عند شيخهم القاضي الرشيد (١) يحيى الذي كان استخلفه عليهم شيخنا الإِمام الزاهد نصْرُ بنُ إبراهيمَ النابلسي المقدسي (٢)، وهم يتناظرون على عادتهم، فكانت أول كلمة سمعتها من شيخ من علمائهم يقال له مَجَلِّي (٣): "بُقْعَةٌ لَوْ وَقَعَ القتل فِيهَا لاستُوفِيَ القِصَاصُ بهَا، وَكَذَلِكَ إذا وَقَعَ في غَيْرِهَا أصْلُهُ الحِل".
فلم أفهم من كلامه حرفاً، ولا تحققت منه نكراً ولا عرفاً، وأقمت حتى انتهى المجلس، فكررت راجعاً إلى منزلي وقد تَأوَّبَنِي حرصي القديم، وغلبني على جدي في التحصيل والتعليم، فقلت لأبي رحمة الله عليه: إنْ كانت لك نية في الحج، فامض لعزمك، فإني لست برائم عن هذه البلدة حتى أعلمَ علمَ من فيها، وأجعل ذلك دستوراً للعلم وسلماً إلى مراقيها، فساعدني حين رأى جِدَّي، وكانت صُحبته لي من أعظم أسباب

(١) هو القاضي يحيى بن المفرج، أبو الحسن اللخمي المقدسي، كان من أسَنِّ أصحاب نصر المقدسي. العواصم من القواصم: ٤٩٩، طبقات الشافعية للسبكي: ٤/ ٣٢٤.
(٢) أبو الفتح، الإِمام الزاهد، فقيه الشافعية ببلاد الشام (ت: ٤٩٠)، ابن عساكر، تبيين كذب المفتري: ٢٦٨، السبكي: طبقات الشافعية ٤/ ٣٥١ الذهَبِي: العِبَرُ، ٣/ ٣٢٩.
(٣) هو مَجَلّي بن جميع القرشي المَخْزُومي أبو المعالي صاحب كتاب "الذخائر في فروع الشافعية"، إليه كانت ترجع الفتوى بمصر (ت: ٥٥٠)، طبقات الشافعية ٧/ ٢٢٧، شذرات الذهب: ٤/ ١٥٧.


الصفحة التالية
Icon