جِدِّي. ونظرنا في الإِقامة بها وخزلنا أنفسنا عن صحبة كنا نظمنا بهم في المشي إلى الحجاز، إذ كانوا في غاية الانحفاز.
ومشيت إلى شيخنا أبي بكر الفِهْرِي (١) رحمة الله عليه، وكان ملتزماً من المسجد الأقصى -طهره الله- بموضع يقال له الغوير بين باب الأسباط ومحراب زكريا عليه السلام (٢) فلم نلقه به، واقتفينا أثره إلى موضع منه يقال له السكينة فألفيناه بها، فشاهدت هديه، وسمعت كلامه، فامتلأت عيني وأذني منه، وأعلمه أبي بنيتي فأناب، وطالعه بعزيمتي فأجاب، وانفتح لي به إلى العلم كل باب، ونفعني الله به في العلم والعمل، ويسر لي على يديه أعظمَ أمل، فاتخذت بيت المقدس مباءة، والتزمت فيه القراءة، لا أقْبِل على دنيا، ولا أكلم إنسياً، نواصل الليل بالنهار فيه، وخصوصاً بقبة السلْسِلَة (٣)، منه تطلُعُ الشمس على الطُورِ (٤)
(٢) من المشاهد التي بالمسجد الأقصى، وهو الموضع المعروف اليوم بالمهد، ومنه يهبط الدرج إلى القسم السفلي من الحرم، ويعرف سطحه عند العامة بسطوح المهد. معجم البلدان: ٥/ ١٧٠.
(٣) هي القبة الصغيرة الواقعة إلى شرق مسجد الصخرة، وهي على مثاله معجم البلدان: ٤/ ١٧٠، الإنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: ٢/ ١٨.
(٤) هو طُور زيتا، وهو في اصطلاح اليوم جبل الزيتون، وتقع عليه قرية الطور، وهو إلى المشرق من قبة السلسلة، انظر عارضة الأحوذي: ٩/ ٤٠ الأحكام: ٥٢٤.