وتغرب على محراب داود (١)، فيخلفها البدر طالعاً وغارباً على الموضعين المكرمين، وأدخل إلى مدارس الحنفية والشافعية في كل يوم، لحضور التناظر بين الطوائف، لا تُلْهِينَا تِجَارَة، وَلَا تَشْغَلُنَا صِلَةُ رَحِم، ولا تَقْطَعُنَا مُوَاصَلَةُ وَلِي، وَتُقَاةُ عَدُو.
فلم تمر بنا إلاَّ مدة يسيرة حتى حضر عندنا بالغوير ونحن نتناظر فقيه الشافعية عطاء المقدسي (٢) فسمعني وأنا أستدل على أن مُدَّ (٣) عَجْوَةٍ (٤) ودرهم، بِمُدي عَجْوَة لا يجوز، وقلت: الصفقة إذا جمعت مالي ربا ومعهما أو مع أحدهما ما يخالفه في القيمة سواء كان من جنسه، أو من غير جنسه، فإن ذلك لا يجوز، لما فيه من التفاضل عند تقدير التقسيط والنظر والتقويم في المقابلة بين الأعواض، وهذا أصل عظيم في تحصيل مسائل الربا (٥).

(١) قال ابن العربي في الأحكام: ١٥٩٨ "شاهدت محراب داود في بيت المقدس بناء عظيماً من حجارة صلدة لا تؤثر فيها المعاول، طول الحجر خمسون ذراعا وعرضه ثلاثة عشر ذراعاً، وكلما قام بناؤه صغرت حجارته، ويُرَى له ثلاثة أسوار لأنه في السحاب أيام الشتاء كلها لا يظهر لارتفاع موضعه، وارتفاعه في نفسه، له باب صغير ومدرجة عريضة، وفيه الدور والمساكن، وفي أعلاه المسجد". قلت: وهو المعروف اليوم بمسجد النبي داود، إلى الجنوب الغربي من مدينة القدس.
(٢) فقيه القدس وقاضيها انظر: العارضة: ٨/ ١٣٩، ويسميه المِقرِي: ابن عطاء، نفح الطيب: ٢/ ٢٤٧ (ط: محيي الدين عبد الحميد).
(٣) المُدُّ ربع الصاع وهو رطل وثلث، (المسالك شرح موطأ مالك لابن العربي لوحة: ٢٧٧).
(٤) العَجْوَة ضرب من التمر.
(٥) انظر العارضة: ٥/ ٢٠٧، الأحكام: ٢٤١.


الصفحة التالية
Icon