والصاغَانِي (١) والزنْجَاني (٢) والقاضي الريْحَاني (٣)، ومن الطلبة جماعة كالبسْكَرِي (٤) وساتكين الترْكي (٥)، فلما سمعت كلامهم رأيت أنها درجة عاليَة، ومزية ثانية، وَبَز (٦) من المعارف أغلى، ومنزلة في العلوم أعلى، وكأني إذْ سمعت كلامهم ما قرأت ما يعْنِي، ولا يكفي في المطلوب ولا يُغني.
وكان من غريب الاتفاق الإِلهي، أن المسألة التي سمعت أول دخولي بيت المقدس، ولم أفهم كلام القوم فيها، هي التى سمعت الصَّاغَانِي يتكلم عليها، فرأيت أنه أغْوَصُ على جَوَاهِرِ كتابِ الله، واستنباطٌ لا يُدْركه إلاَّ من اصطفاه الله، وكذلك سمعت كلام الزوْزَني في مسائل منها: قتل المسلم بالذمي، فرأيته يُقَرْطِسُ (٧) على غَرَض الصَّاغَانِي، وينظرون إلى المطلوب من حدقة واحدة، ويلجون بيت المعارف من باب واحد، فاستخرت الله تعالى على المشي إلى العراق، وصورة المسألة، وتسطير الكلامين، يكشف لك قناع الطريقتين.

(١) هو أبو علي الصاغاني ذكره المؤلف في الأحكام: ١٠٧، والعارضة: ٦/ ١٧، والقبس: ١٥٢.
(٢) هو أبو سعيد الزنْجَاني ذكره المؤلف في الأحكام: ١٤٤٢، وابن خير في الفهرست: ٢٥٨، والضبي في بغية الملتمس: ٩٣، وابن فرحون في الديباج: ٢٨١.
(٣) لم أتمكن من معرفته.
(٤) هو أبو محمد عبد العزيز قاضي مدينة بسْكَرَة كما ذكر المؤلف في العواصم ٢٨٦.
(٥) هو أبو منصور ساتكين بن أرسلان التركَي، مالكي المذهب، أديب بارع، له مقدمة لطيفة في النحو، توفي رحمه الله سنة: ٤٨٨، وكان مقيماً قبل وفاته بالقدس. ابن عساكر: تاريخ دمشق: ٦/ ٤٤.
(٦) أي سلاح.
(٧) أي يصوب للغرض المطلوب.


الصفحة التالية
Icon