حتى (١) ورد علينا دَانِشْمَنْد (٢)، فنزل برباط (٣) أبي سعد بإزاء المدرسة النظامية (٤) معرضاً عن الدنيا، مقبلاً على الله تعالى، فمشينا إليه وعرضنا أمنيتنا عليه، وقلت له: أنت ضالتنا الذي كنا ننشد، وإمامنا الذي به نسترشد، فلقينا لقاء المعرفة، وشاهدنا منه ما كان فوق الصفة، وتحققنا أن الذي نقل إلينا من أن الخبر عن الغائب فوق المشاهدة ليس على العموم، ولو رآه علي ابن العباس (٥) لما قال:
إذا ما مَدَحْتَ امْرَءاً غَائِبا... فلا تغل في مدحه واقصد
فإنك إن تغل تغل الظنو... نُ فيه إلى الأمد الأبعد
فيصغر من حيث عظمته... لفضل المغيب على المشهد (٦)
فإنه كان رجلاً إذا عاينته رأيت جمالاً ظاهراً، وإذا عالمته وجدت بحراً زاخراً، وكلما اختبرت احتبرت. فقصدت رباطه، ولزمت بساطه، واغتنمت

(١) هذا النص نقله المقري في النفح: ٢/ ٣٣ وأزهار الرياض: ٣/ ٩١ - ٩٢ وكذا الرهوني: ٧/ ٣٦١ - ٣٦٢، ومخلوف: شجرة النور: ١٣٨.
(٢) معناه بالفارسية الحكيم أو الماهر على ما أخبرني الدكتور سيد حسين نصر مدير جامعة آريا مهر بطهران سابقاً، والمقصود بِدَانِشْمَنْد هو الإِمام الغزالي رحمه الله.
(٣) الرباط هو دار يسكنها المتصوفة للعبادة وهو مركز للاجتماعات ومقبرة لأصحابه، وتسدد نفقاته مما أوقف له، انظر مقال د. مصطفى جواد: "الربط البغدادية وأثرها في الثقافة الإسلامية" مجلة "سومر" جـ ٢، م: ١٠ (العراق ١٩٥٤).
(٤) أنشأ هذه المدرسة الوزير السلجوقي نظام الملك (ت: ٤٨٦) وافتتحت رسمياً سنة ٤٥٩ هـ، وتقتصر مناهجها الدراسية على دارسة الفقه الشافعي، وفن الكلام على طريقة الأشعري وما يتبعهما من أصول وفروع، فمن أهم أهداف هذه المدرسة مناهضة المذاهب الأخرى ولا سيما المعتزلة والإمامية. انظر: الكامل لابن الأثير: ١٥/ ٢٠٤، وفيات الأعيان لابن خلكان: ١/ ٣٩٥، طبقات الشافعية: ٤/ ٣٠٩.
(٥) هو الشاعر العباسي المعروف "بابن الرومي" (ت: ٢٨٣) له ديوان شعر مطبوع، انظر ترجمته عند الزبيدي: طبقات النحويين واللغوين: ١١٥، المرزباني: معجم الشعراء: ١٤٥.
(٦) هنا ينتهي نقل المقري والرهوني، وانظر هذه الأبيات في ديوان ابن الرومي: ٢/ ٦٨٨ (ط: دار الكتب العربية: ١٩


الصفحة التالية
Icon