فنحن نرى الشعب يتجه بكثير من الإِجلال والتعظيم لهؤلاء الصالحين، فتتردد عنهم أخبار تؤكد أنهم كانوا مستجابي الدعوة، وتطور الأمر حتى بدأت نسبة الكرامات إليهم (١)، وبدأت تسميتهم بالأبدال (٢).
ولعل لفظ "الأبدال" الذي نرى شيوعه في هذه الفترة هو أول مظهر لدخول الاصطلاحات الصوفية المشرقية إلى الأندلس، إلى جانب إقامة الأربطة التي يقيم فيها النساك والعباد أفراداً وجماعات للعبادة والتأمل وفي بعض الأحيان للجهاد والمرابطة.
على أنه كما بدأ التصوف في المشرق بتلك العبادات والرياضات الدينية، والميل إلى حياة الزهد والتبتل، ثم انتهى إلى أن أصبح تأملًا عقلياً وجدانياً خالصاً (٣). فكذلك كان الأمر بالأندلس، فقد بدأ التصوف الفلسفي يغزو الأفراد والجماعات، وتجسمت ملامح هذا الاتجاه بشكل واضح في جماعة من المتفلسفة سنذكر في هذا المبحث أهم شخصياتهم التي احتفظت لنا كتب التراجم ببعض سيرهم وأخبارهم، وفي هذه الفترة التي بدأ فيها تمييز الصوفية عن الفقهاء (٤) في الأندلس، وقع الصراع بين العلماء المحافظين على سلامة العقيدة في جوهرها ومظهرها وبين الغلاة من الصوفية المبتدعة،

(١) بل ألف أبو المطرف عبد الرحمن محمد (ت: ٤٠٢) كتاباً بعنوان "كرامات الصالحين ومعجزاتهم" في ثلاثين جزءاً. ابن بشكوال الصلة: ١/ ٣٠٩ - ٣١٢، الترجمة رقم: ٦٨٣.
(٢) كما هو الحال بالنسبة لمحمد بن سلمة الصدفي (ت: ٢٧٢) الذي قال عنه ابن الفرضي: كان حافظاً للمسائل، ولي القضاء، وكان أحد الأبدال، وأبو أيوب سليمان بن حامد الزاهد القرطبي، قال عنه ابن الفرضي: كان أعبد أهل زمانه، وكان يقال أنه مجاب الدعوة وأحد الأبدال. انظر ابن الفرضي: تاريخ علماء الأندلس: ١/ ٣١٤، رقم: ١٩٦٩، ٢/ ١٢، رقم: ١١٢٤، ابن بشكوال: الصلة: ١/ ٢٠ رقم ٣٧.
ملاحظة مهمة: وينبغي التنبيه على أن أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد، كلها باطلة على رسول الله - ﷺ -. انظر ابن قيم الجوزية: المنار المنيف: ١٣٦ وانظر تعليق شيخنا "عبد الفتاح أبو غدة" على الكتاب السابق ففيه فوائد.
(٣) هذه النهاية المحزنة لتطور التصوف، هي نتيجة طبيعية للبعد عن الكتاب والسنة.
(٤) في بداية الأمر لم يكن هذا الفصل، فكل فقيه فهو عابد زاهد وأغلب الزهاد هم فقه


الصفحة التالية
Icon