قال الإِمام الحافظ أبو بكر محمد بن العربي رضي الله عنه:
وإنما ذكرنا لكم هذا لتتخذوه قانوناً، وتعجبوا من رأس المحققين يُعَوِّلُ في نَفْي الآفات على السمع، ولا يجوز أن يكون السمعُ طريقاً إلى معرفة الباري ولا شيء من صفاته، لأن السمع منه، فلا يعلم السمع إلا به ولا يعلم هو إلا بالسمع، فيتعارض ذلك ويتناقض (١)، وقد مهدناه في المقسط وغيره.
وقد رام الجويني أن يتخلص من ذلك بأسئلته وأجوبته فلم يستطع (٢).
وعَوَّلَ الطُّوسي على أن الكمال واجب لله تعالى ومن المحال أن يكون للعبد صفةُ كمال ليست للخالق تعالى (٣)، وهو أقوى من كلام الجويني، ولكن المُعَوّل على ما سبق للأستاذ وفيه تتبع عظيم يتبين في موضعه.
وكذلك لا يجوز أن يُشَبَّهَ بشيء من خلقه؛ لأنه لو كان مثله، لما كان أحدهما أولى بأن يكون الموجد من الآخر.

(١) لا يلزم التناقض لأن السمع يثبت بصدق الرسول الثابت بالمعجزة، وحينئذٍ يكون السمع طريقاً لمعرفة الله تعالى.
(٢) الإرشاد ٧٢ - ٧٦.
(٣) وتعبير الإِمام الغزالي في هذا المقام هو هكذا:
"وكل كمال وجد للمخلوق، فهو واجب الوجود للخالق بطريق الأولى". وبخصوص صفتي السمع والبصر يقول في الاقتصاد: ١٣٨، والإحياء: ١/ ١٣٨ (ط: الشعب)، معلوم أن الخالق أكمل من المخلوق، ومعلوم أن البصير أكمل ممن لا يبصر، والسميع أكمل ممن لا يسمع، فيستحيل أن يثبت وصف كمال للمخلوق ولا نثبته للخالق". وانظر نقد الفخر الرازي لمسلك الغزالي هذا في: محصّل أفكار المتقدمين: ١٧٢.


الصفحة التالية
Icon