معناه: يا سيد، أو "طه" معناه: يا رجل (١)، أو "حم" معناه "يا سلام" لسلمناه له، غير أن الإنصاف دين فنقول: لما رأينا العرب الأعادي والأولياء والشادين والعلماء لم يقدحوا فيه ولا مالوا عنه قطعنا على أنه كان مفهوماً عندهم جارياً على سبيل العربية، وهذا مقام علم، فإما أن يكون بعض حرف يستدل به على باقي الكلمة، وإما أن يكون استفتاح كلام، وإما أن يكون إشارة إلى وجه التعجيز، كأنه قال لهم: هذا كلام عربي فصيح مؤلف من ﴿المص﴾ [الأعراف: ١] ومن ﴿كهيعص﴾ [مريم: ١] و ﴿حم (١) عسق﴾ [الشورى: ١ - ٢] فإن كان عندي منظوماً، ومن تلقاء نفسي مقولاً فشأنكم والحروف، تجردوا للنظم والتأليف بها في معارضتي، وأنتم جماعة وأنا واحد ولا أملك إلا عمري ولكم في المعارضة الدهر كله إلى يوم الدين.
فتخصيص بعض الأغراض والزيادة عليها مقام ظن، والظن لا مدخل له في هذا، لأنه ليس من باب التكليف، فالأولى التوقف دونه.
أوَلَا ترون إلى نكتة بديعة وهي أن الله سبحانه لما أمر رسوله بكتابة القرآن وجرد له النبي - ﷺ - حذاق أصحابه من الكتاب، ونقلته الصحابة عند الحاجة إلى إرساله إلى البلدان، وانتقوا كتابه، فاتفقوا على أن أفصحهم "سعيد بن العاص" (٢) وأحفظهم "زيد بن ثابت" (٣) فانتدبا لذلك، ونقلوه كما

(١) هذا التأويل رواه الطبراني عن ابن عباس، وفيه الكلبي وهو متروك، قاله الهيثمي في مجمع الزوائد: ٧/ ٥٦.
(٢) هو الصحابي الجليل ابن أبي أُحَيْحَة سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو عثمان، قال عنه سعيد الدمشقي: إن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله - ﷺ -، وقال عنه الحافظ الذهبي: كان سعيد بن العاص أحد من ندبه عثمان لكتابة المصحف لفصاحته... توفي رضي الله عنه: ٥٣ هـ. انظر في ترجمته: ابن سعد: الطبقات: ٥/ ٣٠، الفسوي: المعرفة والتاريخ: ١/ ٢٩٢، ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل: ٤/ ٤٨، الذهبي سير أعلام النبلاء: ٣/ ٤٤٤.
(٣) هو الصحابي الجليل أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي الأنصاري، الإِمام الكبير شيخ المقرئين والفرضيين، مفتي المدينة وكاتب الوحي، أكمل رضي الله عنه حفظ القرآن في =


الصفحة التالية
Icon