ويدل الحرف على ما أحس في القلب، ووقع ما في القلب موافقاً للعلم، فكلم الله موسى في طور سيناء بغير صوت ولا حرف، وكلمه في موطن آخر على لسان جبريل بصوت وحرف، وكتب له في مواطن أُخر في الألواح بقلم، فاجتمعت له الحقائق كلها.
واجتمع لمحمد - ﷺ - أن كلمه ليلة الِإسراء (١) بغير صوت ولا حرف ودون واسطة، وكلمه على لسان جبريل بصوت وحرف (٢)، وكتب له كتاباً بقلمه الذي لا يشبه الأقلام، وكتابته التي لا تشبه هذه الكتابة، فَخَرَجَ النبي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ يَوْماً عَلَى أصحَابهِ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ: وَأشَارَ بِالذِي فِي يَمِينِهِ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبي فِيهِ أسْمَاء أهْلِ الجَنةِ وَأسْمَاء آبَائِهِمْ، فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ، وَأشَارَ إلَى الذِي فِي يَدِهِ الشمَال فَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبَي فِيهِ أسْمَاء أهْل النَارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ (٣).
ولا يخفى عليكم لو أن أهل بلد كتبوا بأسمائهم وأسماء آبائهم في مهاريق لملأت الأفق ولضاق بها الفضاء، فكيف بأسماء الخلق كلهم؟!.
وبهذه الفضيلة وغيرها، تميز محمد - ﷺ - على إخوته من الأنبياء صلى
(٢) إذ كان جبريل يتمثل له على صورة رجل كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في الإيمان رقم: ٨ وفيه أن النبى - ﷺ - قال: "يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَن السَّائِلُ؟ قُلْتُ: الله وَرَسُولهُ أعْلَمُ، قَالَ: فَإنه جِبْرِيلُ أتَاكُمْ يُعَلمُكُمْ دِينَكمْ".
(٣) هذا جزء من حديث طويل رواه -مع اختلاف في الألفاظ- الترمذي في القدر رقم: ٢١٤٢، وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه أحمد في المسند: ٢/ ١٦٧.