ومطلع (١)، نصبنا له مثالًا يتبين فيه قانونه:
قوله تعالى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [الحج: ٢٦].
فحدّ البيت أنه مركب من الباحة والحائط والسقف. ومطلعه اقتضاؤه اللبن والخشب بطريق، وبأقصى منه، اقتضاؤه البنّاء والنجّار ونحوه.
وظاهره: قوله في الكعبة "بيتي" يعني الذي كرمته بأن دحوت منه الأرض، وجعلته مثابةً للناس وأمناً، وقياماً للخليقة وحصناً، وبعثت منه محمداً - ﷺ - وأمرت الخلق بقصده، وأضفته إلى نفسي دون غيره إلى سائر فضائله، وأسرد ذلك كله (٢).
وباطنه: قلب عبدي المؤمن الذي كرمته بأن جعلته محل معرفتي وشرحته بنور هدايتي، وملأته حكمة من علمي، وخصصته بأن أحييته بروحي (٣).
قال علماؤنا: ونحن نقطع على أن المراد بخطاب إبراهيم هذا الكعبة، ولكن الناظر العالم يتجاوز من الكعبة إلى القلب بطريق الاعتبار (٤) عند قوم، وبطريق الأولى عند آخرين، ولهذا إذا جاء النائم إلى المعبّر فقال: رأيت في

(١) وأصل هذا القول حديث ابن مسعود مرفوعاً عند البزار وأبي يعلى في الكبير والطبراني بنحوه كما عزاه إليهم الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ١٥٢).
(٢) قارن بلطائف الإشارات للقشيري: ٢/ ٥٣٨ - ٥٣٩.
(٣) استشكل أبو إسحاق الشاطبي مثل هذه المعاني الباطنة فقال: "... إن هذا التفسير يحتاج إلى بيان، فإن هذا المعنى لا تعرفه العرب، ولا فيه من جهتها وضع مجازي مناسب، ولا يلائمه مساق بحال، فكيف هذا؟ والعذر فيه أنه لم يقع فيه ما يدل على أنه تفسير للقرآن، فزال الإشكال... " الموافقات: ٣/ ٤٠١.
(٤) يقسم الشاطبي هذا الاعتبار إلى قسمين: اعتبار قرآني، واعتبار وجودي، والأول مقبول لأنه فهم للقرآن يرد على القلوب على وفق ما نزل له القرآن، والثاني مردود لأنه اعتبار وجودي خارج عن القرآن الموافقات: ٣/ ٤٠٤.


الصفحة التالية
Icon