كما قدمنا (١)، فقسم التوحيد اشتملت عليه هذه السورة على الخصوص، وبهذا صارت الفاتحة أم الكتاب لأن فيها الأقسام الثلاثة.
فأما قسم التوحيد فمن أولها إلى قوله: ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤].
وأما القسم الأحكام فـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥].
ومن قوله: ﴿اهْدِنَا﴾ [الفاتحة: ٦] إلى آخرها تذكير.
فصارت بهذا أماً يتفرع عنها كل بنت.
وقيل: صارت أماً لأنها متقدمة على القرآن بالقبلية، والأم قبل البنت.
وقيل: سميت فاتحة لأنها تفتح أبواب الجنة على وجوه بيانها في موضعها، ألا ترى إلى قوله: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧].
فسميت المحكمات أمّاً للمتشابهات، لأن المتشابهات إذا أشكل أمرها ردّت إلى المحكمات فعرف تأويلها، كما ترد البنت إلى "الأم" فيعرف نسبها، وخص الأم دون الأب لأنها التي يعلم كون الولد منها قطعاً، ثم يضاف إلى الأب ظناً بواسطة الوجود الكافي في الأم قطعاً، وبذلك فضلت جميع سور القرآن: قال النبي - ﷺ - لأبي بن كعب: لأعَلمَنَكَ سُورَةً مَا أنْزلَ في التَّوْرَاةِ وَلَا في الإنْجِيلِ وَلَا في القرآن مثلُها.. وَذَكَرَا لَه (٢).
وليس في الفاتحة حديث صحيح إلاَّ هذا، وقوله: "قسمتُ الصلاةَ بَيْنِي

(١) انظر مناقشة هذه الأقوال في تفسير سورة الإخلاص لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى: ١٧/ ١٠٣.
(٢) أخرج الترمذي في ثواب القرآن: ٢٨٧٨ وقال عنه: حديث حسن صحيح. وانظر المنار المنيف لابن قيم الجوزية: ١١٣.


الصفحة التالية
Icon