النظر الأول: إن هذا الذي قالوه من طلب تصفية القلب وتطهيره، إلى قولهم: "صفا قلبه"، كلام صحيح موافق للشريعة، لا درك فيه.
وقولهم بعد ذلك: "إنه إذا صفا قلبه تجلّت فيه المعلومات" خطأ بحت، ودعوى عريضة لا برهان عليها من العقل، ولا من جهة السمع (١).
وقد كان ذلك جائزاً لو فعله الباري سبحانه ودَلَّ عليه، وأخبر عنه، فلا معنى لإِنكاره جملة، وهذا التقصير هو الذي يزل فيه المدّعون للعلم، فإنهم ينكرون القول كله لامتزاجه بالباطل، وإنما ينبغي أن يفرق بينهما ويخلّص أحدهما من الآخر، والِإنصاف دين.
النظر الثاني: هو أن الصوفية لما وجدت كلامهم (٢) إلى قوله: "صفا قلبه" سليماً تركت ما بعده وركبت عليه. فقالت: "صفا قلبه فيتفكر في ملكوت الله وآلائه حتى تنكشف له أسرارها".
فقولهم: "فيتفكر في ملكوت الله وآلائه" صحيح، وهو النظر المفضي -بشروطه- إلى العلم، وكأنهم أرادوا أن سلوك الطريق إلى الله تعالى بالنظر في آلائه والتفكر في ملكوت أرضه وسمائه ليوصل إليه، ويقف بالناظر عنده، لا يكون إلا للمتقين، فأما المذنبون المنهمكون في الشهوات المقبلون على الدنيا، فليسوا في جملة السالكين، ولا يعدونهم -بما حصل عندهم- من

= المعظمين إنما عنوا بهذه العبارات الموجودة في كلامهم ما أراده هؤلاء الملحدون، وهكذا وقع الخلط وعظم الخطب ووقع المسلمون في مكائد الشيطان، فلا حول ولا قوة إلا بالله. انظر: الرد على المنطقيين: ٢٨١، ٤٨٨.
(١) قال المؤلف في العواصم: ٢٢ - ٢٣ ما نصه: لا ينكر أحد من الإِسلاميين لا من الفقهاء ولا من المتكلمين أن صفاء القلب وطهارته مقصود شرعي، وإنما المستنكر أن صفاءه يوجب تَجَلي العلوم فيه بذاته".
(٢) أي كلام الفلاسفة.


الصفحة التالية
Icon