عشرة أمثال الدنيا قيمة، كما يقال: الياقوتة عشرة أمثال الدنيا أي: في القيمة وإن كانت أقل منه في الوزن، والمخبر عن ذلك قادر على أن يجعلها عشرة أمثال الدنيا قيمة ووزناً ومساحة، وخلقه وعطاؤه وإحياؤه وإماتته ومنعه كلام كله إِذَا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ، فَيَكُونُ (١) بغير روية ولا مثنوية ولا كلفة ولا معونة، فماذا يقف عليه؟ أو يمتنع منه؟ وقد قام الدليل الشرعي على بطلان هذا، قال النبي - ﷺ - فيما أخبر به عن الجنة: "قَابَ قَوْس أحَدِكُمْ في الجَنةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَالنَّصِيفُ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الَدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" (٢).
فالذي أعطي عشراً من الحور أو عشراً من غيرهن فقد أوتي مثل الدنيا عشراً، وبهذا القدر كانت المنة تقع لمن له القدرة.
هيهات لقد عظمت هذه وهلة، وكأني بمن طالع شيئاً من علوم الأوائل إذا بلغ هذا المنتهى، وقرأ كلامنا ها هنا، زَوَّى حَاجِبَيْه تقبّضا، أو أوحى بشفتيه تبسّما، فإن كان عني راضياً، أو كنت عنده عالماً قال: داهن فلان، وإن كان عني ساخطاً وكنت عنده جاهلاً قال: ما أجهل هذا الإنسان.
انتصاف:
فأنا أجادله بالحسنى حين عجزت عن عقوبة الدنيا، وأقول: يعلم الله وتشهد كتبي ومسائلي وكلامي مع الفرق، بأني جدّ بصير بأغراض القوم ومقاصدهم، فإن معلمي (٣) كان فحلاً من فحولهم وعظيماً من عظمائهم،
(٢) نحوه في البخاري كتاب الجهاد: ٨/ ١٤٥ - ١٤٦، والترمذي في أبواب فضائل الجهاد: ٥/ ٢٨٧ - ٢٨٨ (تحفة الأحوذي).
(٣) يقصد الإِمام الغزالي.