زادت الصوفية فيه.
الخامس: وهو أن الأول مثل للمقبل على الدنيا المشتغل بزخرفها وطلبها، والعيال ومؤنتهم، والأهل ولذتهم، ولمؤمن أخلص لله وحده ذو حظ من صلاة وصيام (١).
وهذه الزيادة قريبة من رسم التفسير.
وفي هذا المثل بديعة من التوحيد وهي أن الله سبحانه قال: ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا﴾ [الزمر: ٢٩] يعني به المؤمن.
وقال "لِرَجُلٍ" كناية عنه سبحانه وتعالى وهو العظيم المبين، كيف أنعم علينا وقرب البيان لنا، حتى كنى برجل محدث مخلوق ناقص، عن قديم خالق عظيم كامل على سبيل البلوغ إلى غاية البيان كما قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥]. ولا يستقرض إلا محتاج وَهُوَ الغَنِيُّ لَهُ مَا في السًمَوَات وَمَا في الأرْض (٢)، ولذلك قال المفسرون معناه "من ذا الذي يقرض عبد الله الفقير" (٣).
وليس يفتقر إلى هذا التأويل، فإنه سبحانه قد ردّد هذا المعنى في أمثلة كثيرة: قال النبي - ﷺ -: "يقول الله: عَبْدِي مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، وَجعْتُ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، وَعَطشْتُ فَلَمْ تسْقِنِي، فَيَقُولُ: وَكَيْفَ تَجوعُ وَتَمْرضُ، وَتَعْطش وَأنْتَ رَب العَالَمِينَ، فَيَقولُ: مَرض عَبْدِي فُلَان، وَجَاعَ عبْدِي فُلَانٌ، وَعَطشَ عَبْدِي فلَان، فَلَوْ عُدْتَهُ وَسَقَيْتَهُ وَأطْعَمْتَهُ، لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ" (٤).

(١) م، ن: ٥/ ٢٨٠، والدر المنثور: ٧/ ٢٢٤ (ط: دار الفكر: ٨٣).
(٢) الآية: ٦٨ من "يونس".
(٣) انظر: ابن عطية: المحرر الوجيز: ٢/ ١٦٠ (ط: القاهرة، ٧٩)، القرطبي: الجامع: ٣/ ٢٣٧ - ٢٤٣.
(٤) نحوه في مسلم: كتاب البر والصلة رقم: ٢٥٦٩، وفي مسند أحمد: ٢/ ٤٠٤. =


الصفحة التالية
Icon