الاستنباط الذي اقتضاه قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ [الشورى: ١٩] وسبيل الاستنزال من الكناية بالمرض والجوع والعطش المستحيلة عليه، كما قال: "يَنْزِلُ رَبنا كل لَيْلَةٍ إلَى السمَاءِ الدُّنْيَا" (١).
واسرد الأقوال في ذلك بقدر حفظك، وأبطل المستحيل عقلاً بأدلة العقل، والممتنع لغة بأدلة اللغة، والممتنع شرعاً بأدلة الشرع، وأبق الجائز من ذلك كله بأدلته المذكورة، ورجّح بين الجائزات من ذلك كله إن لم يمكن اجتماعها في التأويل، ولا تخرج في ذلك عن منهاج العلماء، فقد اهتدى من اقتدى، ولن يأتي أحد بأحسن مما أتى به من سبق أبداً.

(١) قال المؤلف في القبس: ٦٢ (مخطوط الخزانة العامة: ٢٥ جـ). "وهذا الحديث أم من أمهات الأحاديث المتشابهة، وقد ذهب كثير من العلماء وخاصة من السلف إلى أنه يؤمن بها ولا يخاض في تأويلها، فأما مالك فقد بدع السائل عن أمثاله، وصرف عن إشكاله. ووقف عند الإيمان به، وهو لنا أفضل قدوة".
قلت: حديث النزول حديث صحيح رُوِيَ بألفاظ مختلفة عند البخاري في التهجد: ٢/ ٤٧، ومسلم في صلاة المسافرين رقم: ٧٥٨، ومالك في الموطأ كتاب القرآن: ١/ ٢١٤، والترمذي في الدعوات رقم: ٨٠، وأبي داود في الصلاة رقم: ١٣١٥، والدارمي في الصلاة: ١/ ٣٤٦، ٣٤٧، وابن خزيمة في كتاب "التوحيد": ١٢٧.
ولمعرفة رأي السلف (أهل السنة والجماعة) في هذا الموضوع، يحسن بالمسلم الحريص على عقيدته، المحتاط لدينه، أن يدرس بإمعان وتدبر كتاب شيخ الإِسلام ابن تيمية -رضي الله عنه - المُسَمَّى "بشرح حديث النزول" فإنَّهُ أتَى فيه بفوائد عظيمة تزيل -بإذن الله- كل الشبهات التي أثارها أرباب التأويل، للتوسع في هذا الموضوع انظر: تبيين تلبيس الجهمية لابن تيمية: ١/ ٢٢، كتاب "النزول" للدارقطني: ٨٣ - ١٧٥، كتاب "ردّ الإِمام الدارمي على عثمان المريسي: ٣٧٧ (ضمن عقائد السلف)، الرد على الجهمية للدارمي: ٣٨٤ (ضمن عقائد السلف)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني: ١/ ١١١ (ضمن الرسائل المنيرية)، اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: ٣/ ٤٣٤، الجويني (والد إمام الحرمين): رسالة في الاستواء والفوقية والحرف والصوت: ١/ ١٧٤ (ضمن الرسائل المنيرية)، ابن قيم: مختصر الصواعق: ٢/ ٢٣٢.


الصفحة التالية
Icon