فَقَدْنَاهُ لَما تَمَّ واعْتَزَّ بالعُلاَ كَذَلِكَ فَقْدُ البَدْرِ عِنْدَ تَمَامِهِ (١)
والبدر مثل الِإنسان في أحواله، به شبهه المتطببون والمحسنون لوجهه، المحملون والمرفعون لمكانه والمعظمون، وتأخذ المعاني هكذا إلى آخرها على قدر الحفظ وسعة الباع في التركيب، وبحسب ذلك نقول:
إن قَدَّرْتَ أن الماء الذي به كان في الدنيا ما كان، لا يستنزل بالحيلة، كذلك الدنيا لا تستنزل إلاَّ بالقسمة، قال الله تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: ٣٢] (٢).
وأبدع من ذلك:
إن المطر وإن كان لاَ يَتَأتَّى إلا بالتقدير، فقد يستسقى على الرزق وإن كان بالقسمة، فإنه يتعرض فيه للكسب، قال النبي - ﷺ -: "لَوْ أنَكُمْ تَوَكلْتُم عَلَى الله حَق تَوَكُلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطيْر تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً" (٣).
(١) هذا البيت أورده القشيري في الإشارات ٢/ ٩٨ بالألفاظ التالية:
فَقَدْنَاهُ لَما واخْتَمَ بِالعُلَى كَذَاكَ كُسُوفُ البَدْرِ عنْدَ تَمَامِهِ
(٢) الاستدلال بالآية من إضافة ابن العربي على نصوص، القشيري في الإِشارات: ٢/ ٨٩.
(٣) أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه في الزهد رقم: ٤٢١٦ (ط: الأعظمي) وكذلك الترمذي -مع اختلاف في الألفاظ- في الزهد رقم: ٢٣٤٥، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى خماصاً أي جياعاً جمع خميص، وبطاناً أي ممتلئة الأجواف جمع بطين.


الصفحة التالية
Icon