قلت: ومن المعارضين لأبي حامد الغزالي الِإمام المازري (ت: ٥٣٦) الذي صنف كتاباً في الرد على الغزالي سماه: "الكشف والِإنباء عن كتاب الِإحياء" صدره بقوله: الحمد لله الذي أنار الحق وأداله، وأبار الباطل وأزاله.. " (١).
ومما قاله في هذا الكتاب: "... ولقد أعجب من قوم مالكية يرون مالكاً الِإمام يهرب من التحديد، ويجانب أن يرسم رسماً، وإن كان فيه أثر ما، أو قياس ما، تورعاً وتحفظاً من الفتوى فيما يحمل الناس عليه، ثم يستحسنون من رجل (وهو الغزالي) فتاوى مبناها على ما لا حقيقة له، وفيه (أي في الإحياء) كثير من الآثار عن النبي - ﷺ - لفق فيه الثابت بغير الثابت، وكذا ما أورد عن السلف لا يمكن ثبوته كله، وأورد من نزغات الأولياء ونفثات الأصفياء ما يجل موقعه، لكن مزج فيه النافع بالضار، كإطلاقات يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها، ولا تنصرف معانيها إلى الحق إلاَّ بتعسف على اللفظ بما لا يتكلف العلماء مثله إلاَّ في كلام صاحب الشرع الذي اضطرت المعجزات الدالة على صدقه المانعة من جهله وكذبه إلى طلب التأويل... " (٢).
وقال الإِمام المازري مجيباً لمن سأله عن حال كتاب "إحياء علوم الدين" ومصنفه: "وقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم بـ "إحياء علوم الدين" وذكرتم أن آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفة انتصرت وتعصبت لاشتهاره، وطائفة حذّرت منه ونفرت، وطائفة لكتبه أحرقت، وكاتبني أهل المشرق أيضاً يسألوني، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب سوى نبذ منه، فإن نفس الله في العمر، مددت فيه الأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس (٣).

= الونشريشي: المعيار المعرب: ١٢/ ١٨٦ (وقد وردت فيه كاملة)، السبكي: طبقات الشافعية:
٦/ ٢٤٨.
(١) عن الذهبي يسير أعلام النبلاء: ١٩/ ٣٣٠.
(٢) م. ن: ١٩/ ٣٣٠.
(٣) وقد مدّ الله في عمره فألف كتاب "الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء".


الصفحة التالية
Icon