اعلموا أن (الغزالي) هذا رأيت تلامذته (١)، فكل منهم يحكي لي نوعاً من حاله وطريقته، فأتلوح بها من مذهبه وسيرته ما قام لي مقام العيان، فأنا اقتصر على ذكر الرجل، وحال كتابه، وذكر جملة من مذاهب الموحدين والمتصوفة، وأصحاب الِإشارات والفلاسفة، فإن كتابه متردد بين هذه الطرائق لا يعدوها، ثم أُتْبعُ ذلك بذكر حيل أهل مذهب على مذهب آخر... وأكشف عما دفن من جبال الغرور ليحذر من الوقوع في حبالة صائده" (٢).
قلت: ومن المعارضين للِإمام الغزالي الناقمين عليه القاضي عياض (ت: ٥٤٤) إذ وصفه في كتابه "معجم أصحاب أبي علي الصدفي" (٣) بقوله: "... والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة، غلا في طريقة التصوف، وتجرّد لنصرة مذهبهم، وصار داعية في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتُثِلَ ذلك.... ".
أما القاضي ابن العربي فقد عرف كتاب "الإحياء لعلوم الدين" على ثقة وبينة، إذ كان قد سمعه من الغزالي مشافهة ببغداد سنة: ٤٩٠، فكان حكمه عليه حكم تمحيص وإنصاف، كحكمه على الغزالي في ذاته وعلى كتبه
(٢) السبكي: طبقات الشافعية: ٦/ ٢٤٠، الذهبي: سير أعلام النبلاء: ١٩/ ٣٤٠.
(٣) هذا الكتاب من جملة كتب القاضي عياض المفقودة، وقد أورد هذا النص الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٩/ ٣