وأما السؤال الثامن عشر:
وهو وجوب دليل التوحيد، فإنها دقيقة لم يتفطن لها العلماء، وقد مهدناها في موضعها، لبابه:
إن ظاهر هذا الدليل يعطيك أنه لو كان في السموات والأرض، إلهان لفسدتا، وتمامه أن يقال: فهبكم فسدتا، فماذا يلزم عليه؟ وماذا يؤول إليه؟ وماذا ينبني على فساد المخلوقات كلها إذا لم يتعرض ذلك إلى الخالق، ولا عاد عليه؟.
وهذا سؤال حادّ وجهته المعتزلة، إذ كرهت هذه الدلالة لأنها قرآنية وعدلت إلى دلالة الفلاسفة، وهي استحالة الكثرة في العلة (١).
الجواب عنه ظاهر من طرق، أعربها ما قصد إليه لسان الأمة (٢) من أن ذلك يؤدي إلى تناهي المقدورات، وإنما قصد ذلك لأنهم بقولهم: "إن العبد خالق" تتناهى مقدورات الله، فأراد أن ينكاهم في قرحتهم.

(١) وتقرير هذا الدليل عند الفلاسفة هو كالتالي: "لو سلمنا جدلاً بوجود عدة آلهة للعالم، لوجب أن تشترك هذه الألهة في صفة واحدة، وهي أنها تستطيع الخلق جميعها، ولوجب أن يحتوي كل منها على صفة أو صفات خاصة تميزه عن غيره من الآلهة، ومتى قلنا بأن كل إله يحتوي على نوعين من الصفات، كان ذلك تسليماً بوجود الكثرة فيه، لأنه مركب من شيء عام مشترك معه غيره، وفي شيء خاص ينفرد به وحده، وعندئذ يجب أن نقف على العلة في وجود هذا التركيب في كل إله من هذه الألهة المتعددة، فإذا وجدنا علة على سبيل الفرض، وجب البحث عن علة لهذه العلة وهكذا دواليك، لكن لا يمكن الانتقال في سلسلة العلل إلى ما لا نهاية، فوجب الوقوف عند حدّ، أي يلزمنا القول بوجود الله بريء من كل كثرة أو تركيب".
انظر: رسائل الكندي الفلسفية: ١٥٣ (تحقيق د. أبو ريدة، ط: ١٩٥٠)، ابن سينا: النجاة: ٢٢٣ - ٢٢٨ (ط: الكردي ١٩٣٨)، الفارابي: فصوص الحكم: ١٣٢ (ضمن مجموع (ط: السعادة ١٩٠٧)، وانظر نقد هذا المسلك في مقدمة الدكتور محمد السيد الجَلْيَنْد لكتاب التوحيد لابن تيمية: ٢٦ - ٥٤.
(٢) أي الإِمام الباقلاني.


الصفحة التالية
Icon