حالهم ما وصفنا، يكون لهم فعل يترتب عليه حكم، وذلك جائز عقلاً، وله مثال من إصابة العين حساً. وفيه بيان من الله ورسوله دليلًا، فلا يقدر ذو لُبٍّ على إنكاره.
فبهت حين سمع هذا، وانقاد بحزامة الدليل في أنف الأنفة إلى القبول.
وفي لقاء جبريل للنبي وإلقائه الوَحْي إليه شبه بين الوحي والوسواس، حتى قال الجاحدون: "هذا مجنون"، ولكن لما عرضت هذه الشبهة رفعها الله بأن كان جبريل يفارق النبي فيبقى بعده قوياً نشيطاً ضاحكاً نير الوجه كالبدر، صحيح القول، لا خلل في كلامه، ولا كسل في قيامه، ولا ألم في بدنه، والمجنون كاسف اللون، مختل القول، كسلان النفس، مريض البدن.
مثال آخر: في مسألة:
جرى بيني وبين بعض الأشياخ (١) كلام في قول النبي - ﷺ -، في حديث الكسوف حين قال (٢) في عنقود العنب: "فَلَوْ أخَذْتُهُ لأكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا"

(١) هو الإِمام الغزالي.
(٢) نرى من المستحسن في مثل هذا المقام أن نثبت جواب الإِمام الغزالي في هذه المسألة بقلمه كما جاء في "المعيار المعرب" للونشريسي: ١١/ ٢٤ - ٢٧، وينبغي التنبيه على أن هذه القضية قد أثارت استنكار العلماء فيما بعد، فنرى الحافظ ابن حجر العسقلاني ينقل هذه الفقرة من القانون وذلك في فتح الباري: ٢/ ٥٤١ - ٥٤٢، وكذلك بدر الدين العيني في عمدة القارئ: ٧/ ٨٣ وعبد الباقي الزرقاني في شرح الموطأ: ١/ ٣٧٧. وجواب الغزالي هو كالتالي:
"وأما الحديث الثاني وهو العنقود المأخوذ من الجنة وبقاؤه ما بقيت الدنيا لو أخذه، فليس ينبغي =


الصفحة التالية
Icon