في هذا الشأن: "... مررت من ذات عرق، فألفيت الحاجَّ كلَّهُ كائناً في عرفة، ولَيْسَ عَلَى من فَعَلَ ذلك شيء، ولكنه ترك فعل رسول الله - ﷺ - ولقد خاب في تركه (١)... أما أنا فجئت من ذات عرق إلى الموقف، ليلة عرفة نصف الليل، فأصبحت بها، ووقفت من الزوال يوم الجمعة سنة ٤٨٩ (٢)، ثم اندفعت بعد غروب الشمس إلى مزدلفة" (٣). ويقصّ علينا المؤلف -رحمة الله عليه- بعض البدع المنكرة التي كان يعتقدها الجهال فيقول: "... ولقد رأيت الجهل قد انتهى بقوم إلى أن يقولوا -ليلة المزدلفة- قائمين على سطح مسجد المشعر الحرام: يا فلان حج، فينادي كل أحد باسم حبيبه أو جاره، ويقول إنه إذا فعل ذلك به حجّ، فقلت لبعض جيراني: هذا باطل، فنادى معي، وانقلبنا إلى البلد، فما حجّ من نُودِيَ باسمه" (٤).
ومن مزدلفة في طريقه إلى منى يقول:

".. فبتّ بها (أي بمزدلفة) ثم أصبحت، فوقف بها الأمير (٥)، حتى طلعت الشمس على قدم، فلما عمت الجبال، اندفعنا، فرمينا الجمرة، وحَلَقْتُ وذبحت لفدية كانت علي، ثم دخلت مكة، وطفت وسعيت، وصليت بها الظهر (٦)، وكنت أشرَبُ ماء زمزم كثيراً، وكلما شربته نويت به العلم والِإيمان، حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسّره لي من العلم، ونسيت أن أشرَبَهُ للعمل، ويا ليتني شربته لهما، حتى يفتح الله عليّ فيهما، فكان صغوي (٧) إلى العلم أكثر منه إلى
(١) العارضة: ٤/ ١١٠.
(٢) هذا التاريخ هو الذي ذكره ابن فهد في إتحاف الورى: ٢/ ٤٨٨، حيث ذكر أن أبا بكر بن العربي حج في هذه السنة.
(٣) العارضة: ٤/ ١٥٣.
(٤) سراج المريدين: ٩٩/ ب.
(٥) أمير الحج في هذه السنة هو الحاج خمادتكين الحسناني، ابن فهد: إتحاف الورى: ٢/ ٤٨٨.
(٦) العارضة: ٤/ ١٥٣.
(٧) أي ميلي.


الصفحة التالية
Icon