وقد اتصل فقيهنا -رحمة الله عليه- بجمهرة كبيرة من شيوخ العلم وأهل الفضل، ومن جملة من سمع عليهم بالحرم المكي الشريف، محدث مكة عبد الله الحسين بن علي الطَّبَرِي (١) (٤١٨ - ٤٩٨) الذي روى عنه صحيح مسلم برواية الجلودي سماعاً ومناولة (٢)، كما سمع من أبي المعالي ثابت بن بندار (ت: ٤٩٨) (٣) نسخة دينار بن عبد الله الأهوازي عن أنس بن مالك (٤).
وقد تفرغ فقيهنا -رحمة الله عليه- مدة إقامته بالحرم الشريف للعبادة والتهجد، والاتِّصَالِ بشيوخ التربية والسلوك، يوسع دائرة علمه، ويزكي راسخ ملكته، مقبلاً على العلم النافع، مستكثراً من الخير والبر، ويصف لنا في كتابه "سراج المريدين" ليلة من لياليه في مكة فيقول:
".. سمعت محمدَ بنَ عبد الملك الواعظ وهو على المنبر في الملتزم بين الركن والمقام وهو يعظ في ليلة من ليالي كانون الأول من حين فراغنا من صلاة العتمة إلى الفجر، ما نزل ولا انقطع له كلام في التملق لله والتحبب والتعطف، وأنشد في تلك الليلة نحواً من ألفِ بيت وقد قيدنا منها كثيراً في "ترتيب الرحلة" وكان من جملتها:
بَسَطْت نَحْوَ الحَبِيب كَفَّا | أسْألُهُ بِالغَدَاةِ عَطْفَا |
وَقُلْتُ يَا سَيدِي ترَانِي | فَلَيْسَ مَا بِي عَلَيْكَ يَخْفَا |
(٢) ابن خير: الفهرست: ٩٨.
(٣) انظر ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ: ١٢٣٣.
(٤) ابن خير: الفهرست: ١٦١.
(٥) سراج المريدين: ١٠٧/ ب-١٠٨/ أ.