زيارته للمسجد النبوي الشريف بالمدينة:
ثم بعد أن قضى مناسك الحج، شدّ الرحال إلى مسجد النبي - ﷺ - بشوق عظيم ونية خالصة، وقد أعرب عن هذه الفرحة في كتابه السراج فقال: "... ولقد وصلت إليها والحمد لله، وأشرفت من الثنيّة، ورأيت النور ساطعاً إلى السماء بفضل الله تعالى، وصليت في الروضة النبوية، وناجيت الرسول - ﷺ - ليلاً من جهة رأسه وتشفعت به (١)، فنسأل الله الذي يختص برحمته من يشاء، ويمن على من يشاء من عباده، ألا يجعل ذلك عناء، ولا يصيّره هباء بفضله ورحمته" (٢).
وكان -رحمة الله عليه- يقضي جلّ أوقاته في الروضة الشريفة، بين القبر والمنبر، يستمع إلى أحاديث العلماء الأعلام، وهم يقولون: قال صاحب هذا القبر.. وحدث ابن العربي تلاميذه بكل ما سمع في الروضة الشريفة وهو فخور بذلك، وإليك أنموذجاً لمسموعاته بالمدينة المنورة:
"... حدثنا الشريف الأجل الكامل، نقيب النقباء، ذو الشرفين، شهاب الحضرتين، أبو الفوارس طِرَاد بن محمد الزينبي بين القبر والمنبر بالروضة الشريفة تجاه منبر رسول الله - ﷺ - بعد الصلاة، يوم الجمعة السابع من المحرم سنة: ٤٩٠... الحديث... " (٣).
قلت: قول ابن العربي "قصدتك" هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فإمام الحرمين الجويني والقاضي عياض وشيخ الإِسلام ابن تيمية وجمع غفير من العلماء الذين يعتد بهم منعوا شد الرحال لقصد زيارة الرسول - ﷺ - مستدلين بحديث:"لا تشد الرحال إلا لثلاث" وأما بعض العلماء فقد أجازوا شد الرحال لقصد زيارة قبره - ﷺ - والرأي الأول هو الصحيح، وهو الرأي الذي استقر عليه فقيهنا ابن العربي بعد تمكنه من العلم، انظر الأحكام: ١٦٥٨. وقول ابن العربي "يا رسول الله" لا يجوز.
(٢) السراج: ١٠٣/ أ.
(٣) "مجلس الروضة" ضمن مجموع فيه كتاب "قدوة المغازي" لابن أبي زمنين، محفوظ بالمكتبة الوطنية بمدريد تحت رقم: ٥٣٤٩، لوحة: