بشَّرنا به عيسى ابن مريم (١)، وقال: مَن آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي، فقال النجاشي: يا جعفر، هي! بمَ يقول لكم هذا الرجل وما يأمركم به وما ينهاكم عنه؟ قالوا: يقرأ علينا كتاب الله، ويأمرنا بالمعروف، وينهانا عن المنكر، ويأمر بحُسْنِ الجوار، وصِلَة الرَّحِم، وبرّ اليتيم، ويأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك له، فقال له: اقرأ عليّ شيئاً مما يقرأ عليكم، فقرأ عليه سورة العنكبوت والروم، ففاضت أعين النجاشي وأصحابه من الدمع، وقالوا: يا جعفر؛ زدنا من هذا الحديث الطيب. فقرأ عليهم سورة الكهف. فأراد عمرو أن يُغْضِب النجاشي، فقال: إنهم يشتمون عيسى وأمه، فقال النجاشي: ما تقولون في عيسى وأمه؟ فقرأ عليهم جعفر سورة مريم، فلما أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النجاشي نفثة (٢) من سواكه قدر ما تقذي العين، فقال: والله ما زاد المسيح على ما تقولون هذا.
ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال: اذهبوا فأنتم سُيُومٌ (٣) بأرضي، يقول: آمنون، مَن سبَّكم أو آذاكم غَرِم، ثم قال: أبشروا ولا تخافوا، فلا دهورة (٤) اليوم على حزب إبراهيم، فقال عمرو للنجاشي: ومَن حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم، فأنكر ذلك المشركون

(١)... ومصداق ذلك من القرآن، قوله تعالى: ﴿وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يديّ من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعد اسمه أحمد... الآية﴾ [الصف: ٦].
(٢)... النفثة والنفاثة: الشظية من السواك تبقى في فم الرجل فينفثها (اللسان، مادة: نفث).
(٣)... سيوم: أي: آمنون (النهاية في غريب الحديث، مادة: سيم).
(٤)... الدهورة: جمعك الشيء وقذفك به في مهواة. كأنه أراد لا ضيعة عليهم، ولا يترك الله حفظهم وتعهدهم (النهاية في غريب الحديث، مادة: دهر).


الصفحة التالية
Icon