قال الزجاج (١) : تقول: فلان لا ينظر إلى فلان ولا يكلمه، معناه: أنه غضبان عليه.
﴿ولا يزكيهم﴾ أي: لا يُطهّرهم من دنس كفرهم وذنوبهم، أو لا يثني عليهم.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر (٢) عن النبي - ﷺ - قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُم الله يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِم، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. فقَالَ أَبُو ذرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا يَا رَسُولَ الله، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: المُسْبلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكَاذِب" (٣).
فإن قيل: إن حملت الآية على اليهود فلا إشكال فيها، وإن كانت في حق الذين يفعلون ذلك من المسلمين فما وجهها؟ وقد علمنا بالدليل القطعي أن فسقهم لا يوجب انتفاء نصيبهم من الجنة، ولا لزوم ما ذكر؟.
قلت: إما أن يُحمل على التغليظ، وإما أن يُراد به: لا خلاق لهم بأول وهلة، بل لا بد من عذابهم، وإيقاع ما يستحقونه بهم، ولا يكلمهم الله كلاماً ينفعهم، ولا يثني عليهم.

(١) معاني القرآن (١/٤٣٤).
(٢) أبو ذر: هو جُندب بن جُنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار، أبو ذر الغفاري (الإصابة ٧/١٢٥).
(٣) أخرجه مسلم (١/١٠٢ ح١٠٦).
... والمُنَفِّق -بالتشديد-: من النَّفَاق، وهو ضد الكساد (اللسان، مادة: نفق).
... والمُسْبل: الذي يُطًوِّل ثوبه ويُرْسِله إلى الأرض إذا مشى، وإنما يفعل ذلك كِبْراً واختيالاً (اللسان، مادة: سبل).
... والمنَّان: هو الذي لا يعطي شيئاً إلا منَّه واعتدَّ به على من أعطاه (اللسان، مادة: منن).


الصفحة التالية
Icon