﴿حتى تنفقوا مما تحبون﴾ أي: حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها.
والمراد بذلك: النفقة في وجوه الطاعات والقربات إلى الله، سواء أكانت فرضاً كالزكاة، أو نفلاً.
ولما نزلت هذه الآية بادر ذوو النيات إلى العمل بها.
ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بالمَدِينَةِ مَالاً من نخل، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَا (١)، وَكَانَتْ مُسْتَقْبلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ النبي - ﷺ - يَدْخُلُهَا فَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أَنَس: فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لَنْ تَنَالُوا البرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يا رسول الله، إِنَّ الله يَقُولُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا البرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَا، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لله أَرْجُو برَّهَا وَذخْرَهَا عِنْدَ الله، فَضَعْهَا حيثُ أراكَ الله، فقَالَ: بَخْ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ، أو رايح -شك الراوي-، وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأَقْرَبينَ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أَقَارِبهِ وَبَني عَمِّهِ" (٢).
وجاء زيد بن حارثة بفرس كان يحبها، فقال: هذه في سبيل الله، فحمل عليها النبي - ﷺ - أسامة بن زيد، فكأنَّ زيداً وجد في نفسه، وقال: إنما أردت أن أتصدق به. فقال رسول الله - ﷺ -: "أما إن الله قد قبلها منك" (٣).
(٢) أخرجه البخاري (٢/٥٣٠ ح١٣٩٢)، ومسلم (٢/٦٩٣ ح٩٩٨).
(٣) أخرجه الطبري (٣/٣٤٨)، وابن أبي حاتم (٣/٧٠٤)، والثعلبي (٣/١١٠).
... قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (ص: ٢٧) : وهو معضل.