ومعنى الآية: من أهل الكتاب أمّة موصوفون بهذه الصفات، وهم الذين أسلموا من اليهود؛ كعبد الله بن سلام، ومنهم من أَصَرَّ على يهوديته وكفره، وهم الأكثرون، وإنما اقتصر على الإخبار عن أمة واحدة؛ لوضوح المعنى وظهوره؛ كقوله: ﴿أَمَّن هو قانت﴾ [الزمر: ٩]، ولم يذكر ضده، ومثل ذلك قول الشاعر:
وَمَا أَدْرِي إِذا يَمَّمْتُ أَرْضاً... أُرِيدُ الخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي
أَأَلخَيْر الذي أَنَا أَبْتَغِيهِ... أَمِ الشَّر الذي هُوَ يَبْتَغِينِي (١)
أراد: أريد الخير، وأتقي الشر، ولذلك قال: "أيهما يليني"، وقال: "أم الشر".
قوله تعالى: ﴿وما تفعلوا من خير فلن تكفروه﴾ خطابٌ لأمة محمد - ﷺ -.
وقرأ حمزة والكسائي "وما يفعلوا" بالياء، "فلن يكفروه" بالياء أيضاً (٢)، رداً إلى "الأمة القائمة"، وإخباراً عنهم.
والمعنى: لن يضل عنكم ثوابه، ﴿والله عليم بالمتقين﴾ أي: بالمحتجزين بالإيمان عن الشرك، والإيقان عن الشكّ.
قوله: ﴿مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا﴾ قال مجاهد: نزلت في نفقات الكفار يوم بدر (٣).
(٢) الحجة للفارسي (٢/٣٦)، ولابن زنجلة (ص: ١٧٠-١٧١)، والكشف (١/٣٥٤)، والنشر (٢/٢٤١)، وإتحاف فضلاء البشر (ص: ١٧٨)، والسبعة في القراءات (ص: ٢١٥).
(٣) أخرجه الطبري (٤/٥٩)، وابن أبي حاتم (٣/٧٤١). وذكره الواحدي في الوسيط (١/٤٨٢)، والسيوطي في الدر (٢/٢٩٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.