وَقَدْ صَالَحُوا قَوْماً عَلَيْنَا أَشِحَّةً... يَعَضُّونَ غَيْظاً خَلْفَنَا بالأَنَامِلِ (١)
وسببُ غيظهم: ما كانوا يرونه من انتظام المسلمين، وائتلاف قلوبهم، واستفحال أمرهم، ﴿قل﴾ لهم يا محمد على وجه الدعاء عليهم بأن يدوموا على حنقهم إلى الموت: ﴿موتوا بغيظكم﴾ أي: اهلكوا كَمَداً بحنقكم.
﴿إن الله عليم بذات الصدور﴾ أي: بحقيقة ما في القلوب، من خير وشر، فهو يعلم ما في قلوب اليهود والمنافقين من الغيظ والبغضاء، وما يقولون ويتناجون به في الخلاء.
قال ابن الأنباري: تأنيث "ذات" لمعنى الحقيقة، كما تقول العرب: لقيته ذات يوم، فيؤنِّثون، لأن مقصدهم: لقيته مرة في يوم.
قوله عز وجل: ﴿إن تمسسكم حسنة﴾ (٢) أي: نصر وغنيمة، وحال مستقيمة، ﴿تسؤهم وإن تصبكم سيئة﴾ قتل وهزيمة ﴿يفرحوا بها﴾، ﴿وإن تصبروا﴾ على أذاهم، ﴿وتتقوا﴾ الشرك والمعاصي ﴿لا يضرّكم﴾ جواب الشرط، وهو من ضَارَ يَضِيرُ، ومنه: "لا ضَيْر".
وقرأ الضحاك (٣) كذلك، إلا أنه ضم الضاد، من ضَارَ يَضُورُ، وهي لغة قليلة (٤).

(١) البيت لأبي طالب. انظر: ديوانه (ص: ٧٠، ١٩٠)، ورواية الديوان: (وقد حالفوا قوماً علينا أظنَّةً). وهو في ديوان الفرزدق (ص: ٨٥٥)، والبحر (٣/٤٤)، والدر المصون (٢/١٩٧)، والمقتضب (٤/٩٠).
(٢)... كتب في الهامش: بلغ محمد بن أحمد قراءة بمسجد الرقي المجلس الثاني عشر، مرة ثانية.
(٣)... لم أقف على قراءة الضحاك هذه.
(٤)... انظر: الصحاح (٢/٧٢٣)، ولم يشر إلى أنها لغة قليلة.


الصفحة التالية
Icon