عائشة رضي الله عنها يمشي على رجليه إلى أُحُد، فجعل يصفُّ أصحابه للقتال (١)، كأنما يُقَوِّم بهم القداح، إن رأى صدراً خارجاً قال: "تأخَّر".
وذلك أن المشركين نزلوا بأُحُد -على ما ذكره السدي ومحمد بن إسحاق- يوم الأربعاء، فلما سمع رسول الله - ﷺ - بنزولهم استشار أصحابه، ودعا عبد الله بن أُبَيّ بن سلول -ولم يدعه قط-، فاستشاره، فقال عبد الله بن أُبَيّ وأكثر الأنصار: أقم يا رسول الله بالمدينة، لا تخرج إليهم، فواللهِ ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا؟! فَدَعْهُمْ يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشَرِّ مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا، فَأَعْجَبَ رسول الله - ﷺ - هذا الرأي.
وقال بعض أصحابه: يا رسول الله؛ اُخرج بنا إلى هذه الأكلب (٢)، لا يرون أنّا جَبُنَّا عنهم، وضعفنا. وأتاه النعمان بن مالك الأنصاري فقال: يا رسول الله؛ لا تحرمني الجنة، فوالذي بعثك بالحق لأدخلن الجنة، فقال له: "بمَ"؟ قال: بأني أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأني لا أفرّ من الزحف، قال: "صدقتَ"، فقُتِل يومئذ، فقال رسول الله - ﷺ -: "إني رأيت في منامي بقراً، فأوَّلتُها خيراً، ورأيت في ذُبَابَ سيفي ثَلْماً (٣)، فأوَّلتها هزيمة، ورأيتُ أني أدخلتُ يدي في درع حصينة، فأوَّلتها المدينة،
(٢) الأكلب: على مثال أفعل، جمع كلب (معجم ما استعجم ١/١٨٣).
(٣) ثَلَمَ الإناءَ والسيفَ يَثْلِمُهُ ثَلْماً: كَسَر حَرْفَه (اللسان، مادة: ثلم).
... وذُبابُ السيف: طَرَفَهُ المُتَطَرِّفُ الذي يُضْرَبُ به. وقيل: حَدُّه (اللسان، مادة: ذبب).