صرحت بإمداد الملائكة، وكان ذلك يوم بدر، بغير خلاف (١)، ثم إنهم يوم أُحُد قد كُسِروا وانهزموا، فكيف يكون ذلك مع وجود الملائكة ونزولهم لنصرتهم؟
قلت: نزول الملائكة -على هذا القول- كان مشروطاً بالصبر والتقوى، قال الله تعالى: ﴿إن تصبروا وتتقوا﴾... ﴿يمددكم ربكم﴾ فانتفى لانتفائهما.
قوله: ﴿ألن يكفيكم﴾ (٢) إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف. والإمداد: إعطاء الشيء بعد الشيء (٣).
فإن قيل: هل تضمَّن قوله: ﴿منزَلين﴾ معنى مطلوباً للمبشَّرين بذلك؟
قلت: نعم، فإن المقصود من بشارتهم بإمدادهم بالملائكة إظهارُ شرفهم وتطييبُ قلوبهم، ليثقوا بنصر الله لهم، وليزدادوا جرأة على أعدائهم، فإذا علموا أنهم ليسوا من ملائكة الأرض، وأنهم من ملائكة السماء المكرمين، المخصوصين بزيادة القُرب من الله، ازدادوا شرفاً، وطمأنينة في أنفسهم، وإقداماً على المشركين.
فإن قيل: فما وجه قراءة ابن عامر "مُنَزَّلين" (٤) بالتشديد؟
قلت: لأنهم نزلوا من مقام إلى مقام، حتى انتهوا إلى الأرض.
فإن قيل: فما وجه قراءة من قرأ "مُنْزِلِين" بكسر الزاي؟ (٥).
(٢) كتب في الهامش: بلغ محمد بن أحمد قراءة بمسجد الرقي، المجلس الثالث عشر، مرة ثانية.
(٣) انظر: اللسان، مادة: (مدد).
(٤)... الحجة للفارسي (٢/٣٧)، والحجة لابن زنجلة (ص: ١٧٢)، والكشف (١/٣٥٥)، والنشر (٢/٢٤٢)، وإتحاف فضلاء البشر (ص: ١٧٩)، والسبعة في القراءات (ص: ٢١٥).
(٥)... ذكرها الثعلبي في تفسيره (٣/١٤٣)، وهي قراءة شاذة.