إذا عرفت هذا فنقول: مَن عدا الوالد والولد، إنما سمُّوا بالكلالة؛ لأنهم كالدائرة المحيطة بالإنسان، وكالإكليل المحيط برأسه، أما قرابة الولاد فليست كذلك، فإن فيها يتفرع البعض عن البعض، ويتولد البعض من البعض؛ كالشيء الواحد الذي يتزايد على نسق واحد، ولهذا قال الشاعر:
نسب تتابع كابراً عن كابر... كالرمح أنبوباً على أنبوب (١)
فأما القرابة المغايرة لقرابة الولاد، وهي كالإخوة والأخوات والأعمام والعمّات، فإنما يحصل لنسبهم اتّصال، وإحاطة بالمنسوب إليه. فثبت بهذه الوجوه الاشتقاقية: أن الكلالة عبارة عمّن عدا الوالد والولد.
الحُجَّة الثانية: أنه تعالى ما ذكر لفظ الكلالة في كتابه إلا في هذه السورة في موضعين: أحدهما في هذه الآية، والثاني في آخر السورة، وهو قوله: ﴿قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك﴾ [النساء: ١٧٦]، واحتج عمر بن الخطاب بهذه الآية على أن الكلالة: مَن لا ولد له فقط، قال: لأن المذكور هنا في تفسير الكلالة هو: أنه ليس له ولد، إلا أنَّا نقول: هذه الآية تدل على أن الكلالة من لا والد له ولا ولد، وذلك لأن الله حكم بتوريث الإخوة والأخوات حال كون الميت كَلالة، ولا شك أن الإخوة والأخوات لا يرثون حال وجود الأبوين، فوجب أن لا يكون الميت كلالة، حال وجود الأبوين.
الحُجَّة الثالثة: أنه تعالى ذكر حكم الولد والوالد في الآيات المتقدمة، ثم أتبعها

(١)... البيت للبحتري، وهو في: خزانة الأدب، الشاهد الثالث والعشرون، والمنتحل للثعالبي، باب التهاني والتهادي وما يجري مجراهما.


الصفحة التالية
Icon