قوله تعالى: ﴿ أخاهم هوداً ﴾ يريد: أخاهم في النسب. وقوله: "هوداً" عطف بيان (١).
﴿ قال يا قوم ﴾ إنما حذف العاطف هاهنا ولم يقل: "فقال يا قوم" كقصة نوح؛ لأنه على تقدير سؤال سائل قال: فما قال لهم هود؟ فقيل: ﴿ قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾، ﴿ أفلا تتقون ﴾ أي: تخافون وتخشون بطش الله وانتقامه، وأن ينزل بكم من العذاب ما نزل بقوم نوح.
﴿ قال الملأ الذين كفروا من قومه ﴾ إن قيل: لم وصف الملأ هاهنا بالكفر، ولم يصف ملأ قوم نوح به؟
قلت: عنه جوابان:
أحدهما: أنه خصَّهم بالوصف بالكفر ذمّاً لهم؛ لفرط عتوهم وشدة تجبّرهم وإصرارهم على كفرهم، مع أنهم قد علموا سُنَّةَ الله في المكذّبين قبلهم، وهم قوم نوح، فكانوا أجدر منهم بالتقوى، لعلمهم بما لم يعلموه واقعاً من عذاب المكذبين.
الثاني: أن الملأ من قوم نوح كانوا كلهم كفاراً لم يؤمن منهم أحد، بخلاف الملأ من قوم عاد فإنه آمن منهم مرثد بن سعد، فوصفهم بالكفر ليخرج المؤمنون منهم.
قوله تعالى: ﴿ إنا لنراك في سفاهة ﴾ أي: في جهلٍ وخفةِ حلم، نسبوه إلى ذلك حيث فارق دينهم، ﴿ وإنا لنظنك من الكاذبين ﴾ في قولك: "ما لكم من إله غيره"، وفي نزول العذاب بنا.
﴿ قال يا قوم ليس بي سفاهة ﴾ هذا من أحسن الآداب وألطف الأخلاق، فإنه

(١)... انظر: الدر المصون (٣/٢٩٠).
(١/١٦٨)


الصفحة التالية
Icon