مقصوداً لذاته، وإنما لم يستلزم من إظهار معجزته وإبطال سحرهم وإقامة الحجة عليهم، والحرام قد يصير حلالاً، بل واجباً في بعض الصور؛ إذا استلزم مصلحة عامة، أو أمداً مطلوباً في نظر الشرع. ألا ترى أن أكل الميتة حرام، ثم في حالة الاضطرار يصير واجباً؛ حفظاً للنفس من التلف، والكفار إذا تترسوا بالمسلمين ولم يكن لنا وصول إلى قتلهم إلا بهلاك الذين تترسوا بهم من المسلمين، فإنا نقاتلهم وننوي قتل الكفار، ويقع قتل المسلمين بطريق الضمن والتبع؛ نظراً إلى تحقيق المصلحة العامة.
وذكر الماوردي (١) عن هذا السؤال جوابين:
أحدهما: أن مضمون أمره: إن كنتم محقين فألقوا.
الثاني: ألقوا على ما يصح، لا على ما يفسد ويستحيل.
فإن قيل: ما الحكمة في اختيار موسى عليه السلام تقدمهم عليه في الإلقاء؟
قلت: عنه أجوبة:
أحدها: أنه رأى لهم حرصاً على التقدم ورغبة فيه، ألا ترى إلى قولهم: ﴿ وإما أن نكون نحن الملقين ﴾ فأكدوا الضمير وعرفوا الخبر، فسوغ موسى لهم ذلك استحالة لهم إلى الإيمان والإنصاف.
الثاني: أنهم خَيَّرُوه، وكان من تمام الأدب وحسن العشرة وكمال المروءة أن يجازيهم بالأحسن والأجمل، فقدَّمهم لذلك.
الثالث: أن في تثبته عليه السلام وكونه لم يعجل ويبادر إلى الإلقاء عقيب
(١/٢٢٢)