﴿ وكلمه ربه ﴾ أسمعه كلامه من غير واسطة، وإلا فأي مزية (١) كانت له بوصف التكليم.
قال المفسرون: لما أراد الله أن يكلمه أهبطه إلى الأرض ظلمة سبع فراسخ (٢)، فلما دنا موسى من الظلمة تنحى عنه ملكان، وطرد عنه شيطانه، وطرد هوام الأرض، ثم كلّمه الله وأدناه، فرأى الملائكة قياماً في الهواء، ورأى العرش بارزاً، وسمع صريف الأقلام (٣)، وتغشّاه نورٌ لم يزل على وجهه إلى أن مات - ﷺ -، وكان لا يزال متبرقعاً، وكان لا يستطيع أحد أن ينظر إلى وجهه لما غشيه من النور، فقالت له زوجته: أنا أَيِّم (٤) منك مذ كلمك ربك، فكشف لها عن وجهه، فأخذها مثل شعاع الشمس، فوضعت يدها على وجهها وخَرَّت لله ساجدة، وقالت: ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة، قال: ذاك إن لم تتزوجي بعدي، فإن المرأة لآخر أزواجها.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ - :"إن الله عز وجل ناجى موسى بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام كلها وصايا، فكان فيما ناجاه أن قال له: يا موسى! لم يتصنَّع المتصنِّعون بمثل الزهد في الدنيا، ولم يتقرَّب المتقرِّبون بمثل الورع عمّا حرّمت عليهم، ولم يتعبّد المتعبّدون بمثل البكاء من خيفتي. قال موسى: يا إله البرية كلها، ماذا أعددت لهم؟ قال: أما الزاهدون في

(١) في الأصل زيادة قوله: ميزة.
(٢)... الوسيط (٢/٤٠٥).
(٣)... صريف الأقلام: أي صوت جريانها بما تكتبه من أَقضية الله ووحيه، وما يَنْسَخُونه من اللوح المحفوظ (اللسان، مادة: صرف).
(٤)... الأيِّم في الأصل هي: التي لا زوج لها، بكراً كانت أم ثيباً، مطلقة كانت أو متوفى عنها (اللسان، مادة: أيم).
(١/٢٤٦)


الصفحة التالية
Icon