وذلول، عيركم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبداً، فغضبوا وانتدبوا وتنادوا: لا يتخلف منا أحد إلا هدمنا داره.
وخرج رسول الله - ﷺ - حتى إذا كان بالروحاء أخذ عيناً للقوم فأخبر بهم، وبعث - ﷺ - عيناً له من جهته يدعى ابن أريقط، فأتاه بخبر القوم، وطلب أبو سفيان سِيفَ (١) البحر ونجا بالعير، وكتب إلى أبي جهل: إن كنتم لِتحرزوا عيركم فقد أحرزتها لكم، فارجعوا. فقال أبو جهل: لا والله لا نرجع حتى ننزل بدر فننحر الجزور، ونشرب الخمور، ونقيم القَيْنات (٢) والمعازف، فتتسامع العرب بخروجنا، وأن محمداً لم يُصب عيرنا.
ونزل جبريل فقال: يا محمد إن الله وعدك إحدى الطائفتين، إما العير وإما قريشاً، فكان العير أحبَّ إليهم، فقال لهم رسول الله - ﷺ -: إن العير قد مضت إلى ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل على كل صعب وذلول، فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير، فإنا لم نخرج لقتال ولم نتهيأ له، فغضب رسول الله - ﷺ -، فقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقالا فأحسنا، وقام المقداد فقال: امض لما أمرك الله، فإنا معك حيثما أحببت، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل: ﴿اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون﴾ [المائدة: ٢٤]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت منا عين تطرف، والله لو سرتَ بنا إلى برك الغماد -يعني: مدينة الحبشة- لجالدنا معك حتى تبلغه، فضحك رسول الله - ﷺ -، ثم استشار أصحابه فقال: أشيروا عَلَيَّ أيها الناس -كأنه يريد الأنصار-، فقام سعد بن معاذ فقال:

(١)... في هامش الأصل: قال في الصحاح: السِّيف -بكسر السين-: هو ساحل البحر.
(٢)... القَيْنة: الأَمَة المُغنّية (اللسان، مادة: قين).
(١/٣٦٧)


الصفحة التالية
Icon