لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال: أجل، فقال: والذي بعثك بالحق، لو استعرضتَ بنا هذا البحر فخضّته لخضناه معك، وإنا لصُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله.
وقال سعد بن عبادة: والله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار، فحينئذ قال رسول الله - ﷺ -: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم (١).
فكان أوَّل مشهدٍ أعزّ الله فيه الإسلام، وقُتل من صناديد قريش سبعون، وأُسِرَ منهم سبعون.
في ذلك تقول عاتكة بنت عبدالمطلب عمة رسول الله - ﷺ - صاحبة الرؤيا، وكانت رأت قبل قدوم ضمضم بثلاث، كأن راكباً أقبل على بعير ينادي: انفروا لمصارعكم يا آل رعل (٢) "ثلاث"، ثم مثل بعيره على ظهر الكعبة فصرخ بمثلها، ثم علا على أبي قبيس فأخذ صخرة فرمى بها فارفضّت، فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا دخلته فلقةٌ منها، فقصت رؤياها على العباس، فحدّث بها العباس الوليد بن عتبة وكان صديقاً له، فنمى الحديث إلى أبي جهل، فمرَّ به العباس وهو في ناديه فقال: يا أبا الفضل! إذا قضيتَ طوافك فمر بنا. فلما قضى طوافه أتاهم، فقال له أبو جهل: يا أبا الفضل! متى حدثت هذه النبيّة فيكم؟ أما ترضون أن تتنبّأ رجالكم

(١)... أخرجه الطبري (٩/١٨٥-١٨٦) عن ابن عباس. وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤/١٦-١٧) وعزاه لابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس.
(٢)... في بعض الروايات: آل غدر.
(١/٣٦٨)


الصفحة التالية
Icon